للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأسماع، وتردد ما سمعت الآذان الأفواه، بل إن علم ذلك يكون بالمعاينة، وأن الإفشاء شر في ذاته والستر أولى.

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

قسم الله تعالى الذين تحدثوا في هذا الإفك إلى قسمين - أولهما: من ردد القول ترديدا، ولم يكن هو مخترع القول بل أشاعه. والقسم الثاني: وهو منهم الذي اخترع القول ونشره؛ ولهذا عبر سبحانه وتعالى عنه بأنه (تَوَلَّى كِبْرَهُ) الكبر الإثم الكبير الذي أنشأه وأشاعه واقتدى به، ولا شك أن ذلك إثمه أكبر، ولذلك ذكر أن له عذابا عظيما، لَا يحد حده إلا أن يراه ويذوقه، فإن عليه وزره، ووزر من تبعه، والآخرون عليهم إثم أنهم نجسوا ألسنتهم بترداده، ولاكته ألسنتهم واستمرأوه في مجالسهم غير مقدرين مقام القول فيها - رضي الله عنها - ومقام زوجها - صلى الله عليه وسلم -، ولا متعرفين مصدره، بل صرفوا أنفسهم من الحق إلى الباطل.

وهنا إشارتان بيانيتان:

الأولى: في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإِفْكِ) وهذه إشارة إلى أنه لم يكن له أصل واقع، ولكن جاءوا مروجين له مرددين سامرين في مجالسهم، يتلهون به.

الثانية: (مِّنكمْ) إشارة إلى أنهم متغلغلون في أوساطكم يبثون فيها الإحراف الفكري والنفسي واللساني، يلهونكم عن جد الأعمال إلى لغو القول الآثم، وإشاعة الفساد والتقاطع بينكم، وتسهيل الفسق، لأن ترداد القول ونسبة الفعل الفاحش إلى زوج محمد - صلى الله عليه وسلم - يروج الفسق بين الفتيات اللاتي ليس لهن مكانة زوج محمد - صلى الله عليه وسلم - وابنة الصديق. وقد ذكرت أم المؤمنين عائشة فيما روي عنها أن الذي تولى كبر هذا الإثم وأشاعه هو رأس النفاق وكبير المنافقين، عبد الله بن أبي ابن سلول.

ولنقص طرفا من قصة الإفك الأثيم بيانا لموضوع النص الكريم:

<<  <  ج: ص:  >  >>