للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى (فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، ليست جواب الشرط، بل هو يومئ إليه، لأنه علة، ويكون مجرى البيان: ومن يتبع خطوات الشيطان فهو منساق إلى الفساد، لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر، وعبر سبحانه عن وسوسة الشيطان وإغوائه بالأمر لأنه يستولي على من اتبعه، وكأنه سلطان مسيطر يأمره وينهاه، ولا سلطان على نفس الضال غيره؛ لأنه رضي مسلك الشيطان طريقا، وهو ينتهي لَا محالة إلى الضلال الذي لَا هداية معه قط.

وإن الله سبحانه بفضله ورحمته لَا يترك الناس تحت إغواء الشيطان، ودنسه، ولذا قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

الزكاة تطلق بمعنى التنمية، وتطلق بمعنى الطهارة، وهنا بمعنى تزكية العقول في النفس، وامتلائها طهرا، وعفافا وإيمانا، أي أنه لولا فضل الله تعالى بالموعظة والهداية وتربية النفوس بالتقوى ورحمته بهدايتكم وقبولكم للحق وتجنبكم مخاوف الشيطان ما طهر منكم من أحد أبدا، وقد أكد سبحانه جواب الشرط وعمومه أولا بـ " مِنْ " الدالة على استغراق النفي للآحاد والجماعة، وأكد النفي أيضا بدخول (مِن) على (أحد)، كما أكده بذكر (أبدا)؛ وذلك لأن الشيطان يأتي النفوس من قبل أهوائها وشهواتها، وشهوات النفس حلوة، ولكنها وبيئة، ولكن الله تعالى لَا يترك عباده جميعا تحت غواية الشيطان الرجيم، فهو يجتبي من عباده من يزكيه ويطهره في قلبه ولسانه ونفسه، ولا يشاء الله تعالى لعبده تلك الطهارة إلا إذا سلك سبيلها، واختار نجدها، فيأخذه إلى ما اختار.

ثم ختم الله تعالى الآية بقوله تعالت كلماته: (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، أي واسع الرحمة والفضل، عليم بمن يستحقها، فيتوجه إليه سبحانه وتعالى بأن يسلك به طريق الهداية والطهارة.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>