للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنت الصديق مُنِعَ النفقة، وقال: لَا أنفعه بنافعة قط، فنهاه الله تعالى عن ذلك (١) وكان نهيا عاما لكل من يكون في مثل حال الصديق ومثل حال مسطح، وإن السبب يكون خاصا، ولكن الحكم يكون عاما، وهو نهي عن الحلف، وعن المحلوف به، ومؤداه أنه يجب عليه أن يرد نافعته إليه، ويستمر في النفقة ويحنث في يمينه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليحنث وليكفر " (٢)، ولا تمح أيمان مانعة من الخير كما قال تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ. . .)، أي لَا تجعلوها حائلة بينكم وبين أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس.

(الْفَضْلِ) هنا هو الخلق الكريم الذي يفيض بالخير على الناس، فالمعنى ولا يأتل أصحاب الفضل الذين لَا يشحون بخير على من دونهم، ومن مثل أبي بكر في الفضل بعد النبيين، الذي كان إذا رأى من يفتن في دينه اشتراه من وليه وأعتقه، و (السَّعَةِ)، أي الخير الكثير في المال، وبذلك يكون أولئك الفضلاء يجمعون بين الخلق الكامل والمال الثري، يفيض بخلقه، ويعطي من ماله، يطالب هؤلاء بأن يغفروا زلات من يعطونهم، كما يغفر الله لهم زلاتهم وخطيئاتهم إن كانت، فيقول سبحانه (أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) الاستفهام بمعنى النفي والتنبيه على وجوب الغفران، أي أنه كما أنكم تحبون أن يغفر الله لكم فاصفحوا واعفوا، فإن الجزاء من جنس العمل والوجدان والإحساس، والفرق بين العفو، والصفح، هو أن العفو هو عدم جزاء السيئة بمثلها، ودفع السيئة بالحسنة، والصفح هو محو آثار الإساءة من النفس، وقد أمر الله تعالى رسوله بالصفح الجميل، فقال عز من قائل: (. . . فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، وهو الصفح مع تجافي ما يذكر بالإساءة.


(١) راجع القصة في الموضع المشار إليه آنفا من البخاري ومسلم: وكذلك الترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة النور (٣١٠٤).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>