للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحصار أيامًا ثم قفل راجعًا احترامًا للشهر الحرام؛ ولعل الأيام التي استمرها لينظم الرجوع ويأمن ظهره، وحتى لَا يأخذه في رجعته عدو الله وعدوه.

هذه حقائق مقررة ثابتة تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحرم على نفسه ابتداء القتال في الشهر الحرام إلا أن يقاتَل فيقاتِل، ولقد تقرر التحريم بالقرآن الكريم في أكثر من آية، منها قوله تعالى في أول سورة المائدة، وهي من آخر القرآن نزولا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ. . .).

ولكن مع ذلك اختلف الفقهاء، فقال بعضهم وهم الأكثرون: إن تحريم القتال في الشهر الحرام قد نسخ بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)

، وقالوا إن معنى قوله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ. . .)، أي بمنع القتال فيها كما ذكر ابن جرير الطبري وقالوا: لقد قاتل النبي - صلى الله عليه وسلم - هوازن وحنينًا فيها، وما لأحد أن يحرم ما أحله رسول الله. ذلك قولهم ودليله.

وقال بعض آخر أقل عددًا من الأول: إن تحريم القتال فيها ابتداء من غير اعتداء من الأعداء فيها شريعة باقية؛ لأنه لم يوجد نص صريح يعارض نصوص التحريم، ولا يمكن إعماله إلا بالنسخ، ولأن تحريم هذه الأشهر ثبت بآيات من آخر آيات القرآن نزولا وهي سورة المائدة كما نوهنا، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكد التحريم بذكر تلك الأشهر في خطبة الوداع التي سجل فيها شرع الله على عباد الله، وأشهد عليهم فيها أنه بلغهم رسالات ربه؛ وما كان قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهوازن وحنين في الشهر الحرام ابتداء بل كان امتدادا، ولقد قطع القتال ولم يستمر فيه لما صارت الرجعة عن القتال لَا تعرض جنده لمضار تكون أشد من تحريم القتال في الشهر الحرام.

ولأجل هذا قال عطاء بن رباح حالفًا بالله: إنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها، وما نسخت.

<<  <  ج: ص:  >  >>