للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له. وشرط الأمرين أن يكون فقيرا عاجزا عن الكسب؛ ولذلك ابتدأت بذكر ما يومئ عن العجز، والفقر، وقد كان الأمر بالأخذ لَا جناح فيه ولا إثم إشارة إلى أن الإعطاء مودة ورحمة، وتبادل لها بين المعطي والآخذ، ونفي الجناح فيه إشارة إلى الاحتياج، بل الاضطرار.

قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَج حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، أي ضيق أو إثم، وهذا فريق الفقراء العاجزين الذين يشترط فيهم مع الفقر العجز عن الكسب، ثم قال تعالى: (وَلا عَلَى أَنفسِكُمْ أَن تَأكُلُوا مِنْ بُيوتِكمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ) ولم يذكر في هذا العجز، بل ذكر مطلقا عن العجز، فهذا يدل على أن العجز ليس بشرط بالنسبة لأنفسكم، والجواب عن ذلك هو شرط بالنسبة للجميع، إلا من يعتبر ماله هو ماله كالأب وولده والأم وولدها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " أنت ومالك لأبيك " (١)، (أَن تَاكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) ذكر البيوت مضافة إلى من يأخذ النفقة، فيه إشارة إلى تشابه بيت طالب النفقة والمطلوب منه، فهما كبيت واحد بالنسبة للمستحق للنفقة، إذ هو كبيته لما بينهما من قرابة أوجبت هذا التعاون.

(أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ) ويلاحظ هنا ملاحظتين: أولاهما: أن (أو) ليست للتخيير المجرد، إنما هي تدل على الترتيب الأقرب فالأقرب، فالأول الآباء، فإن لم يكن فالأمهات بأن كان الآباء عاجزين، وهكذا يتوالى الوجوب الأقرب فالأقرب بشرط أن يكون قادرا على الإنفاق على نفسه وغيره.

الثانية: أن هؤلاء الأقارب لوحظ أنهم أقارب ذوو رحم محرم منه تستحق النفقة، وبذلك اشترط الحنفية لاستحقاق النفقة على القريب أن يكون ذا رحم محرم منه، وعدوا الميراث مرجحا ولم يعدوه شرطا أساسيا، بحيث لو كان قريبان أحدهما


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>