للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَمْ يَذْهَبُوا) " لَمْ " لنفي الماضي، وهذا دليل على أنهم اجتمعوا معه، فهو عطف نفي في الماضي على اجتماع قبله.

وما حدود الأمر الجامع؛ حاول أن يضبطه القرطبي فقال نقلا من بعض الأقوال:

المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس لإذاعة مصلحة من إقامة سنة في الدين، أو لترهيب عدو باجتماعهم، وللحروب، قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ. . .)، فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك (١).

وخلاصة هذا القول والأقوال التي ساقها من بعد أن يكون أمرا عاما يجمعهم ليتشاور فيه معهم، إذ يكون له أثر في الناس من بعد، ولعلاج حال قائمة، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك كما شاورهم في غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وكما جمعهم لغزوة تبوك.

وكان خلفاؤه كذلك من بعده، فجمعهم أبو بكر لمقاومة الردة، وجمعهم عمر لتقسيم الأراضي بين الغزاة، أو بقائها تحت يد ولي الأمر العادل، وكما جمعهم لاستشارتهم في خروجه بشخصه إلى الحرب، إذ تكاثر الفرس على المؤمنين، فأرادوا أن يخرج إليهم، فجمعهم، ونهاه عليّ، وبرأيه أخذ المجتمعون رضي الله عنهم أجمعين، وإن الاستئذان لَا ينقص الإيمان، ولذا قال: (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) الفاء للإفصاح (لِبَعْضِ شَأنِهِمْ) بعض أحوالهم الخاصة بهم التي يجدون حرجا عليهم في أن يذهبوا مع الغزاة أو يستمروا مع المجتمعين لأمر ما: (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) الفاء واقعة في جواب (لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ولا يشاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإمام العادل من بعده إلا ما هو خير ومصلحة، فيكون الإذن لمن لا يضر الإذن له، ولمن يعلم حاجته إلى التخلف، ولمن يعلم صدقه، ومن يأذن له يطلب الغفران له، ولذا قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ) السين والتاء للطلب أي اطلب


(١) الجامع لأحكام القرآن: ١٢/ ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>