للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حينئذ رؤية علمية إلى صانع المد، وما يكون حتى مطلع الشمس، والمد كما قلنا هو السحب والجر، والظل وهو ما لَا تظهر فيه الشمس، سواء أكانت في حال إشراقها، أم في حال زوالها، وهو هنا ما قبل إشراقها، وهو يمتد شيئا فشيئا، فالفجر ينبلج، ثم يكون الإسفار متدرجا حتى تطلع الشمس فهو كقوله تعالى:

(وَالصُّبْح إِذَا تَنَفَّسَ)، إذ يمتد الظل شيئا فشيئا، ويبرز الناس إلى الحياة متدرجين في بعث الحياة في الأعمال، وكأنَّه يتنفس تنفسا.

هذا توجيه إلى تعرف بدائع الخلق، وإنه في هذه الحال، تكون الراحة النفسية، واستقبال الحياة مبشرا، وإن ذلك صنيع اللَّه تعالى خالق كل شيء ومبدعه، خلقه سبحانه بإرادته المختارة، التي ينشئ بها كل شيء في الوجود، فلا تصدر عنه صدور العلة عن معلولها، (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا)، أي باقيا مقيما، وتكون كلمة (سَاكِنًا) وضعا من السكنى، وعندئذ لَا تبعث الراحة والسعادة والاستبشار، وقد قال تعالى في آية أخرى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. .)، فسبحان مقلب الأحوال، وسبحان مقلب القلوب.

قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) انتقل السياق القرآني من الغيبة إلى المتكلم؛ لبيان إرادة اللَّه الواضحة، وأنه هو الفاعل المختار، ولتربية المهابة في النفوس بخطابه بذاته العلية خطابا واضحا معلما، والعطف بـ (ثُمَّ) للإشارة إلى التفاوت بين الظل والشمس الساطعة، وكانت الشمس دليلا على الظل، لأن إشراقها نهايته؛ ولأن ضوء الشمس يدخل في ظلام الليل شيئا فشيئا من انبثاق الفجر، فهو الدليل الواضح للظل، حتى يكون الصباح.

وإنه بعد الإشراق يأخذ الظل في الانقباض حتى يكون الظلام الحالك، ولذا قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>