للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفسوق القول، فعباد اللَّه الرحمن الذين شرفوا بالانتساب إليه لَا يحضرون هذا النوع من الباطل، لأنه من سوق الخطائين الذين تروج بضاعته بينهم، وبهذا تفسر الآية الآية، فلا يشهدون أي لَا يحضرون، فهم لَا يجلسون في مجالس الزور من الأقوال والأفعال، بل تستغرقهم مجالس العبادة، ومجالس الجد والأفعال الحميدة التي تعود بالنفع على الناس، وتدرس فيها الحقائق الكونية والمصلحية، وتروى فيها السنة النبوية، وتعرف فيها معاني الذكر الحكيم، والقرب من رب العالمين.

هذا تفسير للنص القرآني، ولقد قال الزمخشري في هذا المعنى على أنه احتمالي: " يحتمل أنهم ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين، فلا يحضرونها، ولا يقربونها تحرزا عن مخالطة الشر وأهله صيانة لدينهم عما يثلمه، لأن مشاهدة الباطل شركة فيه، ولذا قيل في النظارة إلى ما لَا تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الإثم، لأن حضورهم ونظرهم دليل على الرضا به، وسبب وجوده والزيادة فيه، لأن الذي سلط على فعله هو استحسان النظارة، ورغبتهم في النظر إليه، وفي مواعظ عيسى - عليه السلام -: " إياكم ومجالسة الخطائين " وهذا نظر حسن، واتجاه سليم فإنه من المقررات أن أول الشر استحسانه، وأول الباطل حضوره.

هذا احتمال في معنى الآية وهو معنى حكيم سليم مرشد، وهو يليق بحال عباد الرحمن، وهناك احتمال آخر، وهو أنهم لَا يشهدون شهادة الزور، ويكون الكلام على حذف مضاف، فمعنى (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي لَا يشهدون شهادة الزور وسميت الشهادة في هذه الحال الزور؛ لأنها كذب، وهي تكون في مجالس الظلم أو معاونة للظالم، أو معاونة على الظلم، ويصح لنا أن شهادة الزور التي يروج فيها الباطل، ويُنصر الظالم، وتؤكل أموال الناس بالباطل تكون داخلة في شهادة الزور، وحضور مجالسه.

ويقال للكذب زور لأنه مائل بالنفس عن قول الحق، وكأن طبيعة النفس ألا تقول إلا صدقا، والكذب انحراف بها وميل عن الصراط المستقيم؛ لأن القلب

<<  <  ج: ص:  >  >>