للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محظورات الحج، كلبس المخيط والحلق من غير رخصته، والصيد، وغير ذلك مما حظر الله سبحانه. والجدال هو المماراة.

وقد فسر بعض العلماء الرفث بأنه النطق بالفحش مما يكون بين الرجل والمرأة وغيره؛ والفسوق بالسباب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر " (١). والجدال: المماراة والمنازعة.

وعندي أن مرمى القول الكريم هو النهي عن كل قول يجعل اللسان غير نزه، وكل قول يؤدي إلى النزاع، والجدال يؤدي إلى الخصام؛ لأنهم اجتمعوا على مائدة الرحمن الروحية ليتعارفوا، وليتلاقوا، وليقوى اتحادهم، ويعتزوا بعزة الله، فيجب اجتناب كل ما يؤدي إلى النزاع والخصام.

(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) وإذا كنتم قد تنزهتم في حجكم عن كل شر فاعلموا أنكم اجتمعتم لعمل الخير، فتنافسوا فيه، وتبادلوا النفع، وليتعرف الشرقي حال الغربي، واعملوا على ما يقوي جمعكم، ويزيل الضر عنكم، ويدفع عنكم كيد الكائدين؛ فإن الحج الذي يزكي نفوسكم لَا يثمر ثمرته، ولا ينتهي إلى غايته، إلا إذا اعتبرتموه المؤتمر الأكبر لدولتكم، والمجتمع الأعظم لممثلي أمتكم؛ وإن الوادي المقدس هو ناديكم الذي اجتمعتم فيه؛ واعلموا أن خيركم محسوب لكم (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) سبحانه، فيعرف المحسن والمسيء، وحسب المحسن فضلا أن يعرف الله فضله، وأن يكون عنده من الأخيار الأبرار، وأن يكون عمله مقدورًا من ربه، مذكوراً عنده؛ ثم إنه يجازي الإحسان إحسانا، وما عنده خير وأبقى.

(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) التزود هنا معنوي نفسي، لَا مادي مالي؛ فالتزود: الإكثار من التقوى، وتهذيب النفس، وإشعار المؤمن بمودة المؤمن، وتوثيق العلاقة به، والتحاب على مائدة الرحمن، وتحت سلطان الديان. والدليل على أن الزاد معنوي لَا مادي قوله سبحانه من بعد معللا


(١) متفق عليه؛ رواه - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - البخاري: الإيمان - خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لَا يشعر (٤٦) ومسلم: الإيمان - سباب المسلم (٩٧)].

<<  <  ج: ص:  >  >>