الأدب عما كان يجري من المسابقات الشعرية في الفخر والغزل في سوق عكاظ.
ولقد استبدل النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه المفاخرة خطبة استعرض فيها أمر الإسلام وذكر بعض أحكامه ليقتدي من بعده الأمراء فقد روى الإمام أحمد من حديث أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وسط أيام التشريق، فقال: " يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لَا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).
(فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُول رَبَّنَا آتِنَا فِي الدنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاق) بعد أن بين سبحانه وتعالى ما يجب على الناس أن يذكروه عقب القيام بمناسك الحج، وهو أن يذكروه هو وحده، وينسوا أهواءهم وشهواتهم ويغضبوا لمحارم ربهم، بين ما يقع من الناس؛ فذكر أنهم طائفتان: طائفة تذكر الدنيا، ولا يدعون الله بعد مناسك الحج إلا بما يشبع رغباتهم وأهواءهم، ولا يذكرون الآخرة، كان العبادة في نظرهم ليست إلا ذريعة لطلب الشهوات أو الرغبات، أو مصالحهم الشخصية في الدنيا؛ وفريق يذكر الدنيا والآخرة؛ وقد ذكر الفريق الأول بقوله:(فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا) الفاء هنا للإفصاح، أي إذا كان ذلك أمر الله فالناس ليسوا جميعا سواء في طاعته، فمنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا، وقد حذف المفعول للفعل آتنا للدلالة على تعميم المطلوب، فهم يطلبون كل ما يمكن أن يصل إليهم؛ ومن طلب الدنيا لَا يفرف بين هوى يرديه، وصالح يقيمه؛ ومعنى (وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاق) أي لَا نصيب لهم. وخلاصة المعنى: أن هؤلاء يلجأون إلى ربهم لينيلهم حظهم من الدنيا، راغبين في كل ما فيها لأنها همهم، ولا شيء سواها في نفوسهم، ولاغاية عندهم غيرها، وليس لهم أي نصيب في الآخرة.
(١) رواه أحمد: باقي مسند الأنصار - حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢٢٣٩١). وأبو نضرة هو المنذر ابن مالك بن قطعة، من الطبقة الوسطى من التابعين.