أولها: إن هؤلاء الذين دعوا ربهم بالتوفيق لابد أن يقرن دعاؤهم بإِرادة قوية عاملة متجهة إلى تحقيق ما يبغون وما يدعون الله سبحانه وتعالى في التوفيق له، وإن لم يكن عمل فالدعاء أماني وأحلام، ولا يتحقق فيها القصد الكامل والضراعة الخاشعة لرب العالمين؛ لأنَّ الدعاء مخ العبادة؛ فإن كان صادقا فالإرادة تتجه نحوه.
الأمر الثاني: الذي يشير إليه التعبير الكريم: أن الجزاء ليس على الدعاء، وإنما الجزاء على العمل، فيجب أن يعملوا؛ فليس الدعاء وحده بمستحق جزاء إن كان العمل ينافيه.
الأمر الثالث: أن كسب العبد لعمل الخير يطوي في ثناياه جزاءه، وكذلك كل عمل للأنسان جزاؤه مشتق من منهاجه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر؛ فمن أسدى إلى الناس معروفا، فقد قدم بهذا الإسداء لنفسه؛ ومن أعان مكروبا، فقد كسب الجزاء ساعة عمل، وكذلك من قتل نفسا، فقد قتل نفسه إذ استحق ذلك الجزاء، ومن سرق فقد قطع يده، ومن زنى فقد رجم نفسه، وهكذا (كلُّ امرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين).
وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله الكريمة (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) وسرعة حسابه سبحانه وتعالى كناية عن تحقيقه، وتحقق يوم القيامة وقربه، وعلمه سبحانه وتعالى بإِحسان المحسن وإساءة المسيء؛ لأنَّ تطويل الحساب يكون من جهل المحاسب، فيبطئ ليعرف؛ فإذا كان المحاسب هو العليم الحكيم الذي لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإن حسابه يكون كريما؛ إذ لَا تخفى عليه سبحانه خافية.
وفى هذا التذييل إشارة إلى عقاب الذين ليس لهم في الآخرة من خلاق على ما يرتكبون من موبقات ما داموا قد جعلوا الدنيا كل همهم، وغاية أمرهم، ومقصد وجودهم.