للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخر ليلة من رجب، ولم يستأنوا إلى أول شعبان حتى لَا تفلت طلبتهم، ولما جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد علم أنهم قاتلوا في الشهر الحرام، توقف وقال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " (١).

ويروى أن المشركين قالوا: قد استحل محمد الشهر الحرام، فسفك فيه الدماء، وقالوا لمن عندهم من المسلمين المستضعفين: يا معشر الصبأة استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه.

وهذا الخبر يفيد فائدتين: أولاهما - أن تلك السرية قاتلت في الشهر الحرام جاهلة بدخوله، أو مضطرة، وكلتا الحالين تحمل العذر أو المسوغ.

الثانية - إن قريشا عيرت المسلمين بذلك وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توقف عن التصرف حتى ينزل قرآن فنزل، وعلى ذلك يصح أن يكون السؤال من المشركين، وهو أوضح.

ومهما يكن فإن القتال في الأشهر الحرم حرام في حال الاختيار والابتداء فلا يصح البدء بالغزو فيه. ولقد قال جابر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ (٢).

ولقد قال بعض العلماء: إن تحريم القتال في الشهر الحرام منسوخ بقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَةً. . .)، وبقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف فيه، ولكن قال عطاء: إنه لم ينسخ.

والحقيقة إنه لم يثبت ناسخ صريح في النسخ فإن قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَةً) العموم فيه بالنسبة للمقاتلين لَا بالنسبة لزمان القتال، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبتدئ قتالا في الشهر الحرام مختارا قط، والتحريم في الاختيار والابتداء كما بينا لَا في البقاء والاضطرار؛ ولذا قال سبحانه: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ. . .)


(١) رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج ١٣ ص ٢١٠ عن جندب بن عبد الله (١٨١٠٩)، وعن عروة بن الزبير ج ١٣ ص ٣١٦) ١٨٣٦٢). وانظر البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٤٥.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>