للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: " كل مسكر خمر " فكان هذا تبيينا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعنى كلمة خمر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو المبين الأول للقرآن الكريم، فلا تفسير وراء تفسيره، ولقد روي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن من العنب خمرا وإن من التمر خمرا، وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا، وإن من الشعير خمرا " (١) فلم يقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسيره على عصير العنب، بل شمل أكثر المواد التي كان يتخذ العرب منها خمورهم.

ولقد فهم الصحابة، وهم من العرب الذين أوتوا علم هذه اللغة، تحريم كل مسكر عندما نزل قوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ. . .)؛ ولذلك أراقوا كل الأنبذة التي كانوا يتناولونها، وليس فيها شيء من عصير العنب. ولقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: " حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد خمرا من الأعناب إلا قليلا وعامة خمرنا البسر والتمر " (٢).

هذا تفسير الجمهور لكلمة خمر الواردة في القرآن الكريم، ولقد خالف أبو حنيفة وأصحابه الجمهور في تفسير كلمة خمر التي ورد بها النص القرآني، فقالوا: إنها النيئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وما عدا ذلك لَا يسمى خمرا، وإن كان مسكرا محرما. وترى أنهم لَا يعدون حتى كل عصير العنب من الخمر، فلا يدخل في كلمة الخمر المطبوخ من ماء العنب، إنما كلمة خمر مقصورة على النيئ منه غير المطبوخ، ويستدلون لقولهم هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بنشوان فقال: " أشربت خمرا؟ " فقال: ما شربتها منذ حرمها الله ورسوله. قال: " فماذا شربت "؟ قال: الخليطين. فحرم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخليطين " (٣). فنَفى الشارب اسم الخمر عن


(١) رواه أبو داود: كتاب الأشربة (ا٩ ١ ٣)، وبنحوه الترمذي (٥ ٧٩ ١)، وابن ماجه (٣٣٧٠)، وأحمد (١٧٦٢٧) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري: كتاب الأشربة (٥١٥٢).
(٣) قال المصنف رحمه الله تعالى: راجع كتاب أحكام القرآن للجصاص. والخليطان من نبيذ الرطب والتمر، أو العنب والزبيب، أو الزبيب والتمر. وأنا لَا أرى في ذلك حجة؛ لأنَّ الرجل كان نشوان فيحاول التخلص، كما ادعى بعض الشاربين أن قوله تعالى: (ليس على الذين آنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) [المائدة: ٩٣] يدل على الحل، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليجادل نشوان ويصحح له اللغة، بل جاء من أقرب طريق وهو أن هذا حرام أيضا. انتهى كلامه رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>