للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ. . .). فكان في نظر أولئك تخصيصا لعموم النهي، أو نسخا لبعض هذا العموم، كما يقول بعض الفقهاء.

ولكن ذلك التوجيه غير مستقيم عند الدارسين للقرآن الكريم العارفين لأسلوبه، وتقييد العبارات التي اشتمل عليها، والتبديل الذي يطرأ في أسلوبه على عمومها؛ فما من نص يخص أهل الكتاب وصفوا فيه بالإشراك، بل ترى كل النصوص الخاصة باليهود والنصارى إما أن يعبر عنهم باليهود والنصارى، كما في قوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى. . .)، أو يعبر عنهم بأهل الكتاب، كما في قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكتَابِ مَنْ إِن تَأمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهم مَّنْ إِن تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ. . .)، وقوله تعالى: (مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ).

وحتى إنهم في مقام الذم يوصفون بالكفر ولا يوصفون بالشرك، كما في قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانوا يَعْتَدُونَ).

وبهذا كله يتبين أن التحريم من أول الأمر كان خاصا بالمشركات، ولم تحرم الكتابيات؛ بل جاء النص بإباحة الزواج منهن؛ وعلى ذلك تضافرت الأخبار عن الصحابة والتابعين بإباحة زواج الكتابية، وتحريم زواج المشركة؛ وقد قال جمهور المفسرين إنه لَا يعرف أن أحدا من الصحابة قد حرم زواج الكتابية، وقد جاءت الروايات بأن عثمان بن عفان تزوج نصرانية ثم أسلمت وأن طلحة بن عبيد الله، وحذيفة بن اليمان تزوجا يهوديتين؛ ولكن مع ذلك روي عن عمر وعبد الله ابنه رضي الله عنهما أنهما حرما ذلك أو كرهاه، والثاني هو الأصح، فإن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان رجلا متوقفا حذرا، وقد خشي على المسلم من زواج الكتابية؛

<<  <  ج: ص:  >  >>