وقوله تعالى في الغاية التي ينتهي إليها التحريم (حَتَّى يُؤْمِنَّ) فيه إشارة إلى توقع إيمان المشركين رجالهم ونسائهم، وأن الفتح المبين قريب وليس ببعيد، فأولئك الذين يتعلقون بأنسابهم، ويرون المصاهرة معهم، لَا يتعجلون أمرًا لهم فيه أناة، فسيأتي اليوم الذي يؤمن هؤلاء جميعًا، وبذلك يزول السبب الذي كان من أجله التحريم، وهو الإشراك، وإن في ذلك بشرى للمؤمنين عامة بهذا الفتح، وبإعلاء كلمة الله، وبانتهاء القتال بين ذوي الأرحام الواصلة، وبشرى خاصة للذين يرغبون في الزواج من بنات أعمامهم، ويحول الشرك دونهم.
(وَلأَمَةٌ مؤْمِنَةٌ خَيْرٌ من مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) في هذه الجملة السامية بيان فضل التدين والإيمان على الشرك والكفر، وبيان فضل المؤمن على الكافر، وبيان فضل كمال النفس على جمال الجسم، وبيان فضل شرف القلب على شرف النسب؛ ومثلها في هذا المعنى قوله تعالى بعد ذلك:(وَلَعَبْدٌ مؤْمِنٌ خَيْرٌ من مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) فكلتا الجملتين الساميتين تشير إلى فضل الحقيقة الخلقية والدينية على المظهر الجسمي، والاستعلاء النسبي.
والأَمَة: الأنثى من الرقيق؛ والسبب في أن زواج المؤمن من أمة مؤمنة لا يروقه منظرها، خير من زواجه من حرة مشركة يروقه منظرها، ويثير الإعجاب حسنها، كما دل على ذلك قوله تعالى:(وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) السبب في ذلك أن الزواج ليس علاقة وقتية، بل هو علاقة دائمة وليس قضاء وطر عاجل يكون الإعجاب المجرد سببه، بل الزواج صلة مودة رابطة يلاحظ عند الإقدام عليه عوامل بقائه لا الدوافع المجردة إلى إنشائه. وإذا كانت الأمة المؤمنة التي لَا تثير الإعجاب قد اجتمعت فيها صفتان لَا تثيران النفس، بل تمنعان، وهما الرق، وعدم رواء المنظر، ففيها صفة توجد المودة والوئام، وهي الإيمان. وإذا كانت الحرة المشركة التي تثير الإعجاب بجمالها فيها صفتان تسترعيان الأنظار، وهما النسب والجمال، ففيها صفة تقطع العلائق، وتفسد البيت، وهي الشرك الذي ليس معه عاصم عن إثم ولا غواية، ولا اتجاه معه إلى فضيلة ومودة واصلة وخلق كريم.
إن الزواج اختلاط روحي، وشركة أدبية، وتعاون دائم على قطع لأواء هذه الحياة وشدتها، والبيت الزوجي في هذه الحياة اللاغبة الكادحة كالواحة في وسط