للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافِ مَّهِينٍ)، ولأن المكثر من الحلف لَا يكون ممن يصون يمينه فيبر بها؛ ولذا قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ. . .)، ومن لَا يصون يمينه لَا يبر بها بل يقع في الحنث الكثير وقد يكفر وربما لَا يكفر؛ ومن يعرض اليمين في القليل والكثير، والعظيم والحقير من الأمور لَا يكون متقيا لله، ولمهانته لَا يصلح بين الناس.

ويصح - وهو الراجح - أن تكون العرضة بمعنى الحاجز المعترض، ويكون المعنى على ذلك: لَا تجعلوا الحلف بالله سبحانه وتعالى حاجزًا ممانعًا بينكم وبين فعل الخير، فلا تحلفوا في أمر يكون الامتناع فيه امتناعا عن خير وتقوى وإصلاح بين الناس؛ وذلك لأن الرجل كان يحلف على الامتناع عن بر غضبا على من يطلبه؛ كما روى أن سيدنا أبا بكر حلف ألا يعطي ذا قرابة له عندما خاض في شأن ابنته عائشة في حديث الإفك عليها، فنزل قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢).

وقد روي أيضا أن عبد الله بن رواحة كان بينه وبين خَتَنِه (زوج أخته) النعمان ابن بشير شيء، فحلف بالله ألا يدخل عليه ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين خصمه، وإذا قيل له فيه قال: قد حلفت بالله ألا أفعل فلا يحل لي إلا أن تبر يمينى؛ فكانت الآية الكريمة ناهية عن ذلك فمن حلف على شيء فرأى خيرًا منه، فلا يصح أن يجعل الحلف بالله عرضة محاجزة دون فعل الخير، بل عليه أن يفعل الخير ويحنث ويؤدي كفارة اليمين الذكورة في سورة المائدة، في قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>