للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على البغض الشديد، ولا شيء يفعل في نفس المرأة أشد من الإحساس بالبغض من العشير والضجيع الذي وهبت له نفسها، وأعطته قلبها، فكان منه ذلك النكر وذلك الهجر.

ولقد جعل الله سبحانه وتعالى أقصى غاية الصبر منها هو أربعة أشهر، وبعدها يكون الفصم، وإنهاء تلك الحياة الزوجية التي تحكمت بين الزوجين فيها البغضاء.

ولماذا كانت المدة أربعة أشهر؛ لقد ذكر بعض العلماء أن تلك المدة أقصى ما تصبر عليه المرأة في المضارة بذلك الهجر غير الجميل. ولقد سأل عمر نساء عن مقدار ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت بعضهن شهرين، ويقل صبرها في ثلاثة، وينفد صبرها في أربعة أشهر. ولقد كان عمر رضي الله عنه بعد هذا يسترد الغزاة ويستبدل بهم غيرهم بعد أربعة أشهر.

ثم إن التقدير بأربعة أشهر هو الذي يتفق مع جملة الأحكام الشرعية؛ ذلك لأن الرجل أبيح له أن يتزوج أربعًا من النساء، وإذا كان في كل شهر يقرب نساءه مرة، ويبادل بينهن، فإن قَسمها يكون مرة كل أربعة أشهر، فكان من تناسق الأحكام الشرعية أن جعلت المدة التي تصبر فيها المرأة مع هذا الهجر أو تتصبر أربعة أشهر؛ وذلك فوق أن الفطرة تقول: إن ذلك أقصى غاية الصبر على البعد المتعمد.

(فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحِيمٌ) وإن تلك المهلة التي أعطيها الزوج يتربص فيها وينتظر، والله يرقبه، والشرع يترقبه، إنما هي لكي يقلع عن الظلم وتعود المودة إلى ما كانت عليه، ويؤدم بينهما بحياة رفيقة يقطعانها، فإن فاء إلى زوجه أي رجع إلى مضجعه الذي هجره، وقرب من امرأته ومسها، وحنث في يمينه، كفَّر إذ جعل الله سبحانه وتعالى الكفارة تَحلَّة الأيمان، وعندئذ يغفر الله سبحانه ما كان منه؛ ولذا قال سبحانه: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رحِيمٌ) أى أن الله سبحانه وتعالى يغفر لهم ما فرط منهم في جنب أهلهم، والقطيعة التي كانت منهم ما داموا قد رأبوا الصدع وعادوا إلى رشدهم وطيبوا قلوب أهليهم، وأقاموا المودة، وملئوا البيت أنسا بعد أن ملئوه

<<  <  ج: ص:  >  >>