أحدهما - أن طائفة من العلماء قرروا أن الطلاق لَا يقع فور انتهاء الأربعة الأشهر، بل يمهل الحالف إما أن يفي إلى أهله بأن يقربها ويحسن العشرة، وإما أن يقع الطلاق عليه؛ فإن لم يفئ واستمر مستمسكا بقوله،، فقد اختار الطلاق واعتزمه حقًا وصدقًا، وأراده عن بينة وعلم، ولا ينفي تلك العزيمة أن يوقعه القاضي، أو يوقعه هو؛ لأنه باشر سببه واختار الطلاق وأصر عليه، وذلك هو قول طائفة من الصحابة والتابعين، وقول مالك والشافعي وأحمد والليث وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود الظاهري.
وأما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فهو أن الطلاق يقع بانتهاء الأربعة الأشهر، والفيء إنما وقته في الأربعة الأشهر، فلا زيادة فوقها بنص الشارع، وحينئذ يقال كيف اعتزم الطلاق وهو لم يوقعه؛ وحينئذٍ يكون الجواب هو:
الوجه الثاني - أن هذه العقوبة حتمية بأمر الشارع أعلنها دفعًا للظلم، أو منعًا لاستمراره، أو حملا على العشرة الحسنة ويجب أن يضعها الزوج الحالف نصب عينيه طول مدة الإيلاء، وأن يعرف أنها نتيجة لازمة لاستمراره عليه، فإن أصر عليها من بعد، فقد ارتضى الطلاق واعتزمه، وكيف لَا يقال إنه اعتزم الطلاق من استمر أربعة أشهر مصرًا على الامتناع الظالم وهو يعرف أن نتيجته الطلاق الحتمي؛ وكيف يعطي فرصة أخرى من ترك فرصة أربعة أشهر؟.
والطلاق في هذه الحال هو عقوبة عادلة؛ لأنه من جنس الجريمة، وهو نتيجة طبيعية لمن يظلم زوجه في العشرة الزوجية؛ وهو باب الفضيلة، إذ يمنع الزوج من أن تتقحم في الرذيلة.
والطلاق الذي يقع يكون رجعيًا عند الأئمة الثلاثة؛ ودليلهم أن كل طلاق رجعي إلا ما ورد النص بأنه بائن، وليس منه ذلك الطلاق؛ وعلى هذا يكون له الرجعة في العدة؛ وقد روي عن مالك رضي الله عنه أنه اشترط للرجعة أن يفيء إلى أهله، فلا تتم بمجرد القول، بل لابد من الدخول، وقال أبو حنيفة: الطلاق بائن لأنه دفع للضرر، ولا يتحقق إلا بالبينونة، وإلا كان تمكينًا للزوج من معاودة الظلم.