وذكرت أن القطع في هذه الحال أولى من الوصل، والإنهاء أولى من البقاء لأن بقاء الحياة الزوجية في هذه الحال استمرارا للظلم، وبقاء للإثم، ولا منفعة ترجى، ولا جدوى تلتمس؛ ولذلك قرر الله سبحانه وتعالى حكمه الصارم وهو الطلاق القاطع لهذا الظلم المستمر.
ولقد بينت بعد ذلك هذه الآية الكريمة التي تلوناها، والتي سنتكلم في معناها حكم الطلاق، وفصلت أحواله ومراته الآيات من بعدها.
وقبل أن نخوض في معنى هذه الآية الكريمة، والإشارة إلى دقائق ألفاظها ومعانيها، نقرر أن شريعة القرآن شرعت الزواج عقدا أبديا في أصل شرعته؛ لأنه شرع لمعان وأغراض لَا تتحقق إلا مع البقاء والدوام، فقد شرع لإقامة الأسرة، وتنظيم الحياة بين الرجل والمرأة، وإنجاب النسل، والقيام على تربيته وتهذيبه والسير به في مدارج الحياة، وتلك أغراض لَا تكون على الوجه الأكمل إلا إذا استمرت الحياة الزوجية موصولة موثقة بروابط من المودة والأخلاق والشرع إلى أن يقضي الله قضاءه. ذلك حكم الشرع، وهو سنة الوجود، وهو أكثر أحوال الزواج بين بني الإنسان، لَا يختلف في ذلك شرقي عن غربي ولا مسلم عن مسيحي.
والإسلام هو دين المبادئ السامية، يبين المثل العليا ويدعو الناس إليها، فهو يشير إلى المثل السامي في الزواج في مثل قوله تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكم مِّن أَنفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ)، وبقوله سبحانه وتعالى في العلاقة الزوجية:(هُنَّ لِبَاسٌ لكُمْ وَأَنتمْ لِبَاسٌ لهُنَّ. . .).
ولكن الإسلام مع دعوته إلى تلك المثل العالية في العلاقة الزوجية يعترف بالحقائق الواقعة ويعالجها، ويطب لها، ليأخذ النفوس إلى السير في طريق الكمال، فإن عجزت أو انبتَّت في الطريق عالج ذلك العجز.
وكذلك عالج الأمر في شأن الزواج فشرعه أبديا، ولكن الشرط في استمراره أن يكون الوداد هو الرابطة الواصلة، وأن تلك الرابطة قد تتقطع أسبابها وتنفر