للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنه قد اتفق عليه أئمة الفتوى، وكأن غيره من الأقوال من شواذ الفتيا الذي لَا يلتفت إليه وقد استندوا إلى الأخذ بفتوى عمر، وادعوا أن الإجماع قد انعقد عليه، ومن المؤكد أن طائفة كبيرة من الصحابة كانت على ذلك الرأي، وما كان لمثلهم أن يقولوا ما يخالف ظاهر القرآن من غير سند من حديث صح عندهم، والآية الكريمة تبين ما ينبغي، ولا تبين بطلان سواه، وأنه لَا يقع إلا ذلك النوع من الطلاق (١).

(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الإمساك بالمعروف هو العشرة الحسنة، والمعاملة الرفيقة بأهله؛ فالمعروف هو الخلق الفاضل الذي تعرفه العقول السليمة، وتدركه الفطر المستقيمة، وتعالج به النفوس، وتطمئن به القلوب والتسريح إرسال الشيء وتفريقه؛ ولذلك يقال سرح الشعر، أي فصله وفرقه ليخلص بعضه من بعضه، ويقال سرَّح الماشية، أرسلها وفرقها في المرعى.

ولا شك أن لفظ التسريح بإحسان يتضمن مع ما يشتمل من معنى التفريق والإرسال، معنى الرفق في التفريق، فلا يفرق بعنف، وحرج للنفوس، وخدش للمروءة، ولمكارم الأخلاق، بل يفرق في رفق وعطف، من غير حرمان، بل بإعطاء من غير منع، كما قال تعالى في هذا المقام: (وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. . .)، فالإحسان في هذا المقام، بمعنى الرفق والعطف والتسامح المادي والمعنوي، فهو من أحسن إليه، بمعنى أسدى إليه خيرًا، أو أدى معروفًا، أو أعطى عطاء.


(١) قال المصنف رحمه الله: الأقوال بالنسبة للطلاق بلفظ الثلاث ثلاثة:
أولها: قول الأئمة الأربعة أنه يقع الثلاثة، وقد اعتمد ذلك الرأي على قول عمر ومن معه من الصحابة.
وثانيها: قول بعض الشيعة إن الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث لَا يقع به شيء؛ لأنه بدعة، فهو جاء على خلاف المنهاج الذي سنة القرآن، وسنه النبي - صلى الله عليه وسلم - للطلاق، والطلاق إنما ثبت في الحدود الشرعية التي جدها الشارع، وما جاء على خلاف ما حده فهو باطل مهما يكن العدد.
القول الئالث: إن الطلاق الثلات بلفظ الثلاث لَا يقع إلا طلقة واحدة، وهذا رأى بعض الشيعة، ورأى ابن تيمية وابن القيم وبعض الظاهرية وغيرهم؛ لأن الطلاق الموصوف بالثلاثة لَا يكون إلا مرة واحدة بنص الآية، وما دام مرة واحدة فهو يقع واحدة. وقد اختار القانون المصري ذلك الرأي في القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩) راجع في هذا الموضوع كتاب " الأحوال الشخصية " وكتاب " ابن تيمية، للمؤلف).

<<  <  ج: ص:  >  >>