وقد يعترض معترض على ذلك الرأي فيقول: إنه لايوجد على ذلك التخريج ما يفيد حلها للأول، فنقول في رد ذلك الاعتراض: إن الحل بالزواج ثم الطلاق بعد الدخول وانتهاء العدة فهم من انتهاء التحريم بقوله تعالى: (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) فالتحريم مؤقت بتوقيت زمني غير معلوم ينتهي بالزواج الثاني، وزوال سائر أسباب التحريم الأخرى.
ومهما يكن من الأمر، فإن السياق يسير على مقتضى رأي الجمهور؛ لأن السياق كله متعلق بشأن المرأة مع زوجها الأول، والكلام في الزوج الثاني جاء لتتميم الكلام في الزواج الأول وإنهائه، ومدى ذلك الإنهاء؛ ويزكي ذلك أن الله سبحانه وتعالى عبر عن عودة الزواج بقوله:(أَن يَتَرَاجَعَا) وهذا يفيد أن ذلك بعقد جديد، ولو كان المراد الرجعة ما عبر بصيغة المشاركة؛ لأنه ينفرد بها الزوج إن كان الثاني.
وحلها للزوج الأول منوط بأمر ديني مقرر ثابت، وهو أن يكونا قد انتفعا من ذلك الدرس القاسي، وهو الفرقة المحرمة بينهما، وتجربتها عشرة غيره، وتجربته لرؤيتها عشيرة لسواه؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى في بيان إنهاء التحريم:(إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) فنفي الإثم في العودة إلى الزوج الأول مربوط دينيًا وقلبيًا بقصدهما إلى العشرة الحسنة وإرادتهما لها، وظنهما القدرة عليها، وزوال النفرة التي كانت توجب الشقاق والنزاع، وتؤدي إلى الطلاق وتكراره المرة بعد الأخرى.
وقد فهم بعض العلماء أن المراد بالظن هنا هو العلم واليقين؛ فالمراد إن تيقنا أنهما سيقيمان حدود الله، فليس للرجل والمرأة، وقد فرق بينهما تفريقا بمحرِّم بالطلاق الثلاث المتكرر، أن يستأنفا حياة زوجية بعد زوال التحريم إلا إذا علما على وجه الجزم واليقين أنهما سيقيمان في هذا الزواج الجديد حدود الله بإعطاء كل واحد منهما ما للآخر من حق، ويقوم بما عليه من واجب، لتكون المودة بينهما في ظل من الرحمن الرحيم.
هذا نظر بعض العلماء في تفسيرهم الظن باليقين؛ ولكن الزمخشري لم يرتض ذلك النظر، ولم ير أنه يتفق مع الذوق البياني لمن يذوق كتاب الله؛ ذلك بأن