تعالى، وهو بذلك قد ارتكب محرما، وكان مستعجلا أمرًا قبل أوانه، فلا يصل إلى غايته، كمن قتل مورثه مستعجلا ميراثه فإنه لَا يرث لأنه استعجل أمرا قبل أوانه فعوقب بحرمانه.
هذه خلاصة أقوال الفقهاء في نكاح المحلل، وهو أقبح عقود الزواج، وترى منها أن جميع الفقهاء يرون أنه حرام، وأنه خداع لله سبحانه وتعالى، وأنه تحايل على إبطال أحكام الله، وتفويت لمقاصد الشارع الحكيم، وأن جمهور الفقهاء يرون أنه عقد فاسد لَا تحل به للأول؛ وإذا كان ذلك شأن عقد المحلل فليتق الله الناس في أنفسهم وأخلاقهم ومروءاتهم، وليجنبوا أنفسهم ألفاظ الطلاق ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولا يضيقوا على أنفسهم ما أفسح الله لهم؛ وليحفظوا على أنفسهم أعراضهم ومروآتهم فلا يضطروا إلى ذلك العقد الذي هو إثم في إثم؛ وجرم في جرم، وتعريض الحرمات للانتهاك.
(وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ذيل الله سبحانه وتعالى أحكام الطلاق وعَدَده، ودفعاته، وما يترتب عليه بهذه الجملة السامية؛ ومعناها أن تلك الحقوق والواجبات التي بينها سبحانه وتعالى في الطلاق من أن الزوج أحق بزوجته بعد الأولى والثانية، ومن أن النساء لَا يسوغ لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، ومن أن الطلاق ثلاث، بعدها تحرم عليه حتى تتزوج زوجا آخر، ومن أنه لَا يحل له أن يأخذ منها شيئا إلا أن يكون فداء لنفسها خشية نشوزها. كل هذه الأحكام، هي الحدود التي أقامها سبحانه فارقًا بين العدل والظلم، والحق والباطل، والخطأ والصواب، وهي التي تقوم عليها معالم الأسرة الإسلامية؛ وقد بينها لقوم من شأنهم أن يعلموا الأمور على وجوهها ويدركوها على حقيقتها، ومن لم يلتزمها فقد ضل ضلالا مبينا.
وإن ذلك التذييل الكريم يستفاد منه ثلاثة أمور:
أولها: بيان أن الأحكام الخاصة بالطلاق هي حدود حدها الشارع، من يتجاوزها فقد تجاوز ما له إلى ما ليس له، وترك الحلال إلى الحرام، وترك الحق إلى