للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الثاني: الذي يترتب على الرجعة ضرارًا، هو أنه يظلم نفسه، فكما أنه يترتب على ذلك الضرار اعتداء على غيره يكون فعله ظلما لنفسه؛ ولذا قال سبحانه: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي أن من يرجع مطلقته إضرارًا أو ضرارا فقد ظلم نفسه ظلمًا مؤكدًا، وإذا كان قد أراد ظلمها فمن المؤكد أنه قد ناله حظ عظيم من الظلم قبل أن ينالها؛ وذلك لأنه عصى ربه فاستحق عذابه، ولأنه جعل البيت الذي هو مثابة الراحة والقرار مكان نكد واضطراب يستبدل فيه بالمودة البغضاء؛ ولأنه لَا يعيد إلى حظيرة الزوجية زوجًا ودودا، بل عدوا شديدا، وأشد الأعداء من كان منك قريبا، وقد يكون كالثعبان بين جنبيك؛ وأي ظلم للنفس فوق هذا الظلم.

(وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) بعد أن نهى سبحانه وتعالى عن أن تتخذ الرجعة ضرارا، أو يقدم الرجل عليها وهو يعلم أو يظن أنه لن يكون إمساك بمعروف؛ أعقب ذلك بنهي آخر هو توكيد للنهي الأول، فقال: (وَلا تَتَّخِذوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) وذلك لأن الله سبحانه وتعالى رسم في آياته حدودًا ونظمًا تتقرر بها الحياة الزوجية، فشرع الرجعة لتدارك ما فاته وقت الغضب، ولرجاء أن يستقيم الأمر، وتقام الحياة الزوجية بالمعروف، بعد أن تهددتها القطيعة، وقاربت على الانفصال، فمن اتخذ الرجعة للضرار، أو وهو غير مستيقن صلاح الحال أو يرجو ذلك، فهو كمن يستهزئ بأحكام الله، وآياته سبحانه؛ لأنه ينفذ الأوامر في غير موضعها، ويكذب على نفسه وعلى دينه وعلى ربه، فهو يعمل عمل من يريد الصلاح ولا يريده، وعمل من يقيم الحياة الزوجية الصحيحة ولا يقيمها، ثم هو في أعماله يشبه اللاعب الهازئ، بل إنه لاعب هازئ في موضع الجد، يطلق لأتفه الأسباب، ويرجعها من غير أن ينوي الصلاح والعشرة بالمعروف، فيطلق ثانيًا عابثًا، ثم يرجعها عابثا، ثم يطلق، فيكون التحريم بسبب العبث والمجون.

<<  <  ج: ص:  >  >>