للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويصح أن يراد بالآيات الآيات التكوينية، لَا الآيات القرآنية الحكمية المتلوة؛ وذلك لأن من آيات الله في الكون أن جعل الزوج سكنًا تربطها به المودة، فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً. . .)، فمن طلق عابثا وراجع عابثا، وجعل الحياة الزوجية اضطرابا وضرارا وعداوة بدل المودة، فقد استهزأ بآيات الله الكونية، فحرم نفسه من نعمتها؛ ولذا قال سبحانه بعد هذا النهي: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ). فقد أمر سبحانه وتعالى المؤمنين بأن يتذكروا دائمًا نعمة الله تعالى عليهم، وأن يتذكروا ما في الكتاب وما جاءت به السنة من أحكام وعظات.

أما النعمة التي يجب تذكرها فهي نعمة الزوجية خاصة، ونعمه سبحانه وتعالى عامة، ونعمة الزوجية تتجلى في أن يكون للشخص أليف في الحياة يقطع معه بيداءها، ويتحمل معه لأواءها؛ ويكون بيت الزوجية فيها كواحة في وسط صحراء الحياة، وروضة يأوي إليها بعد المشاق وبعد الكد واللغوب، فمن عبث بهذه النعمة فقد ظلم نفسه، ونسي أنعم الله سبحانه وتعالى عليه، ثم حق عليه أن يتذكرها؛ ومن كمال نعم الله أن ذكره بها في مقام نسيانه لها.

والتذكير الثاني هو بما أنزل الله من الكتاب والحكمة؛ والكتاب هو القرآن الكريم، والحكمة هي السنة النبوية كما فسرها الشافعي رضي الله عنه، وهو تفسير حكيم نقبله؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، فلابد أن تكون الحكمة غير الكتاب؛ ولا شيء نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الكتاب غير ما اشتملت عليه السنة من أحكام؛ فما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥).

والحكمة معناها العلم النافع الذي يتجه إلى ناحية العمل الذي به تنضبط النفس، وذلك يتلاقى مع السنة النبوية، فكانت جديرة بهذه التسمية؛ لأنها تفصل الأحكام العملية الجزئية، وترشد إلى تنفيذ ما اشتمل عليه القرآن الكريم من قواعد كلية، ونظم جامعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>