للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما - أنهن اللائي ولدنهم وكن الوعاء الذي برزوا منه إلى الوجود، وقد تربوا فيه ومنه تغذوا، فكان من الحق أن يتغذوا منه حتى يستغنوا عنه؛ وفي هذا إيماء إلى وجوب الإرضاع على الأمهات.

وثانيهما - أن الغذاء الذي يناسب الطفل في مهده هو الغذاء الذي يكون من نوع ماكان يتغذى منه في بطن أمه؛ وكان في التعبير بالوالدات إشارة إلى ذلك؛ لأن الولادة انفصال الحمل عن أمه وبروزه إلى الوجود؛ فهي تشير إلى الصلة بين المكان الذي خرج منه، وحياته التي يستقبلها؛ وذلك إيماء إلى وجوب التناسب بين الحالين، والتناسب بينهما من حيث الغذاء، يوجب التجانس بين حالي الغذاء، وذلك يوحي من جهة ثانية إلى وجوب إرضاع الأم ولدها، وهو ما سيقت له الجملة السامية.

وقوله تعالى: (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهنَّ) هو أمر جاء على صيغة الخبر؛ فمعنى (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) ليرضعن؛ أي عليهن إرضاع أولادهن؛ وعبر عن الطلب بصيغة الخبر؛ للإشارة إلى أن ذلك الوجوب تنادي به الفطرة، ويتفق مع طبيعة الأمومة، وأن الأمهات يلبين الطلب فيه بداع من نفوسهن؛ فلذلك عبر بالخبر، كان الإرضاع وقع من غير طلب خارجي، فكان ذلك التعبير مفيدًا للأمر التكليفي، ومقررًا للأمر الفطري.

والفقهاء يقررون أنه مطلوب من المرأة أن ترضع ولدها، ولكنهم يختلفون في مدى هذا الطلب؛ فالحنفية يرون أن هذا الطلب للندب في جملته، فليس على الأم إرضاع ولدها، إلا في حال الضرورة، بأن لم يوجد من يرضعه سواها، أو لَا يلقم الولد إلا ثديها، أو كان الأب عاجزا عن استرضاع ولده عند ظئر؛ إذ لَا يملك أجرتها؛ وينافي هذا الرأي قوله تعالى: (وَانْ أَرَدْتّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكمْ فَلا جنَاحَ


= الولد عند المكايدة، ولان إيجابه الرزق بعد ذلك في نظير الرضاع يوجب ذلك، وللنهي عن المضارة وهي لا تصور إلا عند الطلاق.
ثانيهما: أن المراد الزوجات وهذا قول لَا حجة له، وما اخترناه أولى لما فيه من عموم ولا دليل على التخصيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>