للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) في الجملة السامية السابقة نص على واجب الأمهات المشتق من كونهن والدات؛ وفي النص واجب يقابله على الآباء لكونهم قد ولد لهم، فالتعبير عن الأب بقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَولودِ لَهُ) هو في مقابل التعبير عن الأمهات بالوالدات؛ وكما أن الأول أوجب عليهن الرضاعة، فالثاني أوجب على الآباء النفقة؛ لأن الولادة لهم، فالنسب لهم، والولد تابع تبعية مطلقة لهم؛ وكأنه كسب كسبوه، وغنم غنموه، فحق عليهم القيام على شئونه ورعايته، والإنفاق على من خصصت نفسها وخصصتها الفطرة لخدمته ورعايته وتغذيته بلبنها الذي هو دَرّ من دمها.

ويلاحظ هنا عندما أوجب الله سبحانه وتعالى على الآباء الإنفاق على الأمهات اللائي يرضعن أولادهن، أمران:

أولهما: أنه قيد الإنفاق بالمعروف، وهو الأمر الذي يتعارفه العقلاء، فلا تستنكره العقول ولا يجفوه الذوق السليم بأن يليق بحالها ويكفيها شئونها، ولا يخرج عن طاقة الأب، ولا يكلفه شططا، ويسهل لها الأب ذلك الإنفاق؛ فيجيء إليها من غير جهد منها، ولا إعنات لها.

ثاني الأمرين: أن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الإنفاق يكون في وضع الرجل فلا يرهقه، ولا يشق عليه؛ ولذا قال: (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا)، وهي قضية عامة، وقاعدة كلية في كل تكليفات الشارع الإسلامي، يلاحظ فيها أن تكون في وسع المكلف، وليس معنى الوُسع هو الطاقة، فإن الفرق بينهما كبير؛ لأن الطاقة هي أقصى قدرة المكلف بحيث لَا يستطيع الأمر إلا بمشقة وجهد؛ أما الوسع فهو قدرة المكلف على الأمر، مع بقاء فضل من جهده، بحيث لَا يستغرق العمل أقصى قدرته؛ وقد وضح ذلك المعنى في إيجاز بليغ فجعل مناط التكليف ما تسعه قدرة المكلف؛ قال تعالى: (لا يُكَلِّف اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسعَهَا. . .)، تنبيها إلى أنه لَا يكلف دون ما تنوء به قدرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>