وإذا كان الأمر كذلك فكل التكليفات الشرعية يكون في الوسع القيام بها، بمعنى أنها تؤدى بيسر وسهولة ولا مشقة فيها لمن ذاق طعم الطاعة، وفهم معناها؛ ولذا قال تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. . .).
ولا شك أن الإنفاق على الأم بالمعروف، هو تكليف بما في الوسع الذي يقوم به المرء بيسر وسهولة؛ لأن أساس المعروف ألا يكون فيه غضاضة على المرأة، وألا يكون شطط على الرجل؛ فلا يكلف أحدهما إلا وسعه وما يكون يسرا من أمره.
ولقد عبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة عن الإنفاق بالرزق والكسوة، أي بالإطعام والإيواء والكسوة، وعبر في آية الطلاق بالأجرة، فقد قال الله تعالى:(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهنَّ أُجُورَهُنَّ. . .)، فالأجرة هنالك هي الكسوة والرزق هنا؛ وتخالف التعبيران؛ لأن كل واحد فيما يناسبه؛ فالتعبير بالأجرة؛ لأن الكلام في المطلقات، وما يفرض لهن من نفقة وأمدها؛ ثم بين ما يستحق في مقابل الإرضاع إن أرضعن وقد خرجن من بيت الرجل وسلطانه.
أما في هذه الآية فالكلام في أصل وجوب الإرضاع على الأمهات، وبيان توزيع التكليفات؛ والآية هنا عبر القرآن فيها عن الأم بوصف كونها والدة، وعلى الأب بوصف كونه مولودًا له، فناسب أن يعبر عن النفقة هنا بالرزق والكسوة لأن مؤدى التعبير الكريم أن الواجبات للطفل موزعة، والحقوق فيه متقابلة؛ فالأم لأنها تفرغت لخدمته، وقامت على حياطته، وغذته من لبنها بعد أن غذته من دمها، وأوجب عليها الشارع ذلك الغذاء - كان على الأب في نظير ذلك أن يكدح ويعمل ليوفر لها رزقها وكسوتها بالمعروف من غير غضاضة ولا شطط.
(لا تُضَارَ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَولودٌ لهُ بِوَلَدِهِ) هذه الجملة السامية في مقام التعليل للأحكام السابقة الموزعة بين الوالد والوالدة، والتي أساسها القيام بحق ذلك المخلوق الذي كان كل واحد منهما طريقا لخروجه إلى هذا الوجود الإنساني. والمعنى أنه لا يصح أن يقع ضرر على الأم بسبب ولدها لما لها من حنو وعطف، فيستغل ذلك الحنو وذلك العطف لإنزال الأذى بها وإعناتها وتكليفها ما ليس في وسعها، وما