للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس متفقا مع فطرتها؛ وكذلك لَا يصح أن يقع ضرر بالأب بسبب ولد لأنه يعني بإنباته نباتًا حسنًا وتنشئته على أكمل وجه، فيرهق بالمطالب المالية، ويكلف ما ليس في وسعه أو لَا تتسع له قدرته عليه إلا بمشقة وجهد شديد.

وفى هذه الجملة السامية بحثان لفظيان نقولهما بإيجاز:

أولهما - أن كلمة (لَا تُضَارَّ) من مادة المفاعلة من الضرر، وقد قرئت مرفوعة على معنى نفي الضرر، ونفي الضرر يقتضي النهي عنه؛ وقرئت مجزومة، وعند الوصل خفف السكون بالفتح على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وإن لم يكن هنا ساكنان؛ ولذا قرئ بالسكون، وقراءة السكون تدل على النهي الصريح.

ولأن كلمة (لَا تُضَارَّ) من المفاعلة تصلح أن تكون مبنية للمفعول؛ والمعنى في الفرضين واحد، وهو أنه لَا يجوز أن يضر كل واحد منهما صاحبه، أو يُضَر مِن صاحبه بسبب عطفه على ولده وحنوه عليه.

البحث الثاني - في التعبير بقوله سبحانه، (وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَولودٌ لهُ بِوَلَدِهِ) وتقديم الأم على الأب؛ فإن ذلك التعبير يشير إلى منزلة الولد من قلب كل منهما، وأنه قطعة من قلوبهما؛ ولا يصح أن يكون مزيد العطف الوالدي سببًا في أن يتخذه كل منهما ذريعة لإيذاء الآخر والعبث بحقوقه، ولإشعارهما بأن الإيذاء باسم الحنو قد يؤدي إلى نقص العطف على الولد، ولكي يعرف كل منهما أن الولد ولدهما معًا ومزيج من جسمهما معًا، فلا يصح أن يتخذ سبيلا للكيد والإعنات والإرهاق؛ وقدمت الأم لأن حنوها أشد، ولأن مظنة إنزال الأذى بها أقرب، (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) هذه الجملة الكريمة سيقت لبيان من ينفق على الولد إن لم يكن له أب، أو كان له أب عاجز عن الإنفاق عليه؛ فإن الإنفاق في هذه الحال يكون على الوارث الذي يرث الولد إذا مات؛ لأن الغُنم بالغُرم، فما دام يرثه عند الوفاة إن كان له مال، فإنه ينفق عليه إذا كان محتاجًا عاجزًا.

وفى التعبير بكلمة (الْوَارِثِ) بدل كلمة قريب، إشارة إلى أن الوراثة هي السبب في وجوب تقديم الرزق والكسوة، لَا مجرد القرابة، أو القرابة المحرمية؛

<<  <  ج: ص:  >  >>