للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي يتعارفونه أجرًا، ويكون عطاؤه من غير ممانعة، ولا مماكسة، بل بالمعروف الذي لا يستنكره الناس وتقره العقول والأخلاق القويمة، وهنا بحث لفظي في موضعين:

أولهما: في قوله تعالى: (أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) فإن استرضع كما قال الإمام الزمخشري منقول من أرضع، يقال أرضعت المرأة الصبي، واسترضعتها الصبي، فهي متعدية إلى مفعولين، كما يقال نجحت الحاجة، واستنجحته الحاجة؛ وفى الآية الكريمة قد حذف أحد المفعولين، إذ المعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم، وحذفه متسق مع السياق الكريم، لأن الحذف يدل على العموم وعدم تخصيص مرضع دون مرضع، فإنه عند إرادة الاسترضاع لَا يتقيد الأب بواحدة دون الأخرى ما توافرت السلامة فيهن، ولم ينل الطفل من إحداهن ضرر في جسمه أو خلقه أو أعصابه.

الموضع الثاني: في قوله تعالى: (إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم) ففي قوله تعالى (آتَيْتُم) ثلاث قراءات: أولاها آتيتم بالمد، وثانيها من غير مد مع ضم الهمزة، وثالثتها (أوتيتم) والقراءات الثلاث تتلاقى في معنى واحد، وهو إعطاء الأجرة بالمعروف أي المتعارف كما نوهنا؛ وتخريجه على القراءة الأولى (مَّا آتَيْتُم) أي أردتم إيتاءه كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ. . .) أي أردتم القيام إلى الصلاة، وعلى القراءة الثانية " ما أتيتم " أي مما أعطيتم من مال، لأن أتى تستعمل بمعنى أحسن، فيقال أتى إليه إحسانا إذا فعله، وتكون متعدية، ومنه قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُة مَأتِيًّا -). وعلى القراءة الثالثة (أوتيتم) أي أعطيتم المعنى واضح صريح فيها.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ذَيَّلَ الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة التي تبيِّن واجب الآباء والأمهات نحو الأمانة التي سلمها الله لهم؛ ليقدموها للمجتمع الإسلامي غرسًا طيبًا وجيلا قويًا طاهرًا؛ ذيَّل تلك الآية الحكيمة بالأمر بتقواه، والتذكير بأنه علِم بكل شيء علْم المبصر الذي يرى؛ إذ خلجات القلوب في علمه الأزلي المحيط، كأنها المرئيات المبصرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>