للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد روى البخاري ومسلم عن زينب بنت أم مسلمة أنها قالت: " دخلت عليَّ أم حبيبة حين توفى أبو سفيان (أبوها) فدعت أم حبيبة بطيب فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا (١)، قالت زينب: سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفى زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا) مرتين أو ثلاثًا. ثم قال: " إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَحِدُّ السَّنَةَ، ثُمَّ تَرْمِي الْبَعْرَةَ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؛ " قال الراوى (٢) قلت لزينب: مَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةَ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فقالت زينب: " كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا (٣) ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبًا حتى تمر بها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة، فترمى بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره " (٤).

وترى من هذا أن الإسلام قد ألغى تلك العادات الجاهلية، وقصر أمد الحداد على الوفاة، فجعله أربعة أشهر وعشرًا بدل سنة.

وقد يرد سؤال آخر: لماذا حد العدد بأربعة أشهر وعشرًا؟ وإن تقدير الأعداد كما يقرر الفقهاء أمر توقيفي خالص لَا يجري فيه القياس؛ ولكن ليس معنى ذلك أنه لَا حكمة فيه؛ وإن الحكمة يقررها العلماء في أمرين:

أولهما - أن الأشهر الأربعة هي التي يظهر فيها الحمل ويستبين، وقد جعلت العشر بعدها للاحتياط، وتعرّف أعراضه وظواهره؛ وذلك لأنه لما وكل أمر براءة الرحم إلى مدة، لوحظ فيه المدة التي فيها يعرف ويستبين وتظهر أعراضه.


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: الجنائز - إحداد المرأة على غير زوجها (١٢٠١)، ومسلم: الطلاق - وجوب الإحداد في عدة الزواج (٢٧٣٠).
(٢) الراوي هو حميد بن نافع، شيخ البخاري، من الطبقة الوسطى من التابعين، وكنيته أبو أفلح.
(٣) الحفش: المكان الضيق في البيت.
(٤) هذا الحديث متفق عليه، رواه البخاري: الطلاق: تحد اتموفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا (٤٩٢٠)، ومسلم: وجوب الإحداد (٢٧٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>