للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيهما - أن مدة أربعة الأشهر هي المدة التي قررها الشارع أقصى مدة للحرمان من الرجال، ولذلك جعل الإيلاء مدته أربعة أشهر، بحيث إذا حلف الرجل ألا يقرب امرأته أربعة أشهر، ومضى في يمينه وانتهت المدة طلقت منه، فكان من التنسيق بين الأحكام الشرعية أن تجعل مدة الإحداد على الزواج في حدود هذه المدة، ومقاربة لها في الجملة، وليس من المعقول أن يعاقب الشارع الرجل إذا أصر على هجر زوجه بالفراق إذا أصر عليه أربعة أشهر، وفي الوقت نفسه يلزمها بالحداد مدة أطول من ذلك، بل ينبغي أن تكون مدة الإحداد حول هذه المدة أيضًا.

(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ) بيَّنت الجملة السامية السابقة مدة العدة للمتوفى عنهن أزواجهن، وفي هذه الجملة الكريمة يبين سبحانه وتعالى انتهاءها وما يترتب على الانتهاء، والمعنى: إذا انتهت المدة المقررة للتربص، فلا إثم على الناس فيما يفعلن في أنفسهن من زينة واستعداد للزواج والزواج بالفعل، ونرى في التعبير الفعل المباح منسوبًا لهن، ونَفى الإثم عن الناس المتصلين بهؤلاء المتوفى عنهن أزواجهن، وفي ذلك دلالة على أمرين:

أحدهما: أن المرأة تباح لها الزينة بالمعروف، أي بالأمر المعقول الذي تقره العقول، وتدركه الأفهام، وتعرفه أهل المدارك السليمة والأذواق الدقيقة المحكومة بشكائم الأخلاق، ويدخل فيما يفعلن بأنفسهن الزواج، فلها اختيار الزوج، وتولي العقد، بشرط أن يكون ذلك في دائرة العرف والتقيد بالكفاءة، وألا تجلب عارًا على أسرتها وذويها.

وثانيهما: أن نفي الإثم عن الجماعة فيما يفعلن بأنفسهن بالمعروف غير المستنكر، دليل على أن الجماعة الإسلامية متعاونة متآزرة متماسكة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن على كل امرئ أن يصلح من شأن أخيه، ويقوِّمه بالمعروف، ويبين له أوامر الشرع وحكم الله تعالى، ولا تذهب عنه هذه المسئولية حتى يكون عمل من يكون ذا صلة به في دائرة الشرع والخلق القويم.

<<  <  ج: ص:  >  >>