للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقبل أن نترك الكلام في عدة المتوفى عنها زوجها، نشير إلى موضوع يتصل به، أو هو من لبه، وهو مقدار شمول هذا النص للمعتدات من وفاة: أيشمل الحامل وغير الحامل، أم يختص بغير الحامل فقط؛ لقد ورد في عدة الحامل قوله تعالى: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. . .)، وورد في عدة الوفاة هذه الآية الكريمة التي نتكلم في معناها، وهذان عمومان متعارضان، أو يبدو في الظاهر أنهما متعارضان.

وقد قال جمهور الفقهاء: إن آية عدة الوفاة التي نتكلم فيها خاصة بغير الحوامل، فعدة المتوفى عنها زوجها غير الحامل تكون بأربعة أشهر وعشرًا، وعدة الحامل بوضع الحمل عملًا بآية الحمل، فكانت آية الحمل شاملة لحال الطلاق وحال الوفاة؛ ويستدل على ذلك الرأي، بالحديث الشريف؛ فإنه روى أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أفتى سبيعة الأسلمية، بأنها حلت حين وضع حملها، وكانت قد ولدت بعد موت زوجها بنصف شهر.

هذا رأي جمهور الفقهاء، وذلك نظرهم؛ ولكن يروي عن علي، وابن عباس رضي الله عنهما أن المعتدة الحامل من وفاة تعتد بوضع الحمل، بشرط ألا تقل العدة عن أربعة أشهر وعشر؛ أي أنها تعتد بأبعد الأجلين: وضع الحمل، أو مضى أربعة أشهر وعشر.

وذلك الرأي إعمالاً للآيتين الكريمتين وإمضاءً لعمومهما، وهو يتفق مع الحكمة من إطالة مدة العدة بالنسبة للمتوفى عنها زوجها؛ فإنه لَا يتفق مع ذلك أن تنتهي العدة بوضع الحمل بعد ساعة من الوفاة.

(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ذَيَّلَ الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بهذا التذييل؛ لبيان أنه سبحانه وتعالى عليم عِلْمَ الخبير الدقيق الذي لَا تخفى عليه خافية، بما يعملون من تنفيذهم لأوامره، أو إهمالهم؛ وأن من سنته سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه بعد كل أمر أو نهي يذكر رقابته سبحانه وتعالى في التنفيذ، ليعلم من

<<  <  ج: ص:  >  >>