للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أخرج الدارقطني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة، فقال: " لقد علمت أني رسول الله وخيرته وموضعي في قومي ". وكانت تلك خطبة (١).

(عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا) في هذه الجملة الكريمة يشير سبحانه وتعالى إلى طبائع النفس البشرية فيمنعها من الانسياق فيما يردي ويفسد، ويبيح لها ما لَا ضرر فيه، وقد يكون فيه ما تطيب به نفوس، وتطمئن إليه قلوب.

فالله سبحانه وتعالى علم أن العارفين لأخبار المتوفى عنها زوجها وأحوالها وحقيقتها، من جمال أو نحوه، ومن حسن عشرة ولطف مودة، أنهم سيذكرونها في نفوسهم ويقرنون الذكر بالرغب والاتجاه إلى طلبها، وإعلان الرغبة والتحبب إليها وإمالة قلبها، ولقد علم الله سبحانه وتعالى حال النفوس هذه فأباح للناس ما تكون مغبته حسنة، ومنع غيره، فأباح إكنان الرغبة في الأنفس وحديث النفس بها، فإن حديث النفس ليس موضع مؤاخذة؛ وأباح التعريض بالخطبة، ونهى عن أمرين:

أولهما: المواعدة السرية، سواء أكانت تلك المواعدة على الزواج أو غيره.

وقد تكلم العلماء في معنى كلمة " سرًّا " فقيل: إن معناها ما يكون بين الرجل وزوجه من متعة جسدية. وقيل: إن معناها عقد الزواج. وقيل إنَّ سرًّا، معناها زنا.

وروي أن ابن عباس وابن جبير والشعبي ومجاهدًا وعكرمة والسدي، فسروا " سرًّا " بألا يأخذ عليها ميثاقا بألا تتزوج غيره في استسرار وخفية.

وإن الذي نميل إليه أن " سرًّا " وصف لمحذوف أي لَا تواعدوهن وعدًا سريا بأي شكل من الأشكال، وفي أي موضوع من الموضوعات؛ لأن الإسرار يدفع إلى الخلوة فتكون الحال في مكان النهي حيثما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " (٢) والمعنى على هذا: لَا تندفعوا وراء رغباتكم فتلتقوا بهن سرًّا


(١) ذكره بهذا اللفظ وهذا التخريج القرطبي في تفسيره: سورة البقرة ٢٣٥ وراجع الدارقطني في سننه.
(٢) جزء من حديث رواه أحمد: مسند العَشرة (١٠٩) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه، والترمذي بنحوه: الفتن - ما جاء في لزوم الجماعة (٢٠٩١) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>