للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتقولوا معهن ما تستحيون من قوله جهرًا؛ إما لأنه قبيح لَا يعلن، وإما لأنه فى غير وقته فيستنكر القول فيه فور الوفاة؛ وذلك فوق قبح الخلوة في ذاتها.

ولقد استثنى سبحانه استثناء منقطعا في قوله تعالى: (إِلَّا أَن تَقولُوا قَوْلًا مًعْرُوفًا) والمعنى لكن المباح لكم أن تقولوا قولا معروفا لَا تستنكره العقول، وتقره الأخلاق، ولا يقبح إعلانه، بل يقال في غير استسرار؛ وبهذا الاستثناء يحد الله سبحانه فرق ما بين الحلال والحرام في هذا المقام؛ فالسرية ممنوعة أيا كان موضوعها، لما يكون معها من ملابسات محرمة، والقول المعروف الذي يكون بالتعريض، وإظهار المودة بشكل لَا يؤدي إلى محرم، ولا تستهجنه العادات الفاضلة والأخلاق الكريمة، هذا حلال لَا ريب فيه.

وقبل أن نترك الكلام في هذا الأمر المنهي عنه، نذكر تحقيقًا لفظيًا ذكره الزمخشري، وهو مقام " لكن " في قوله تعالى: (وَلَكِن لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا)، مما قبلها؛ فقد قرر رحمه الله أن المعنى: علم الله أنكم ستذكرون النساء فاذكروهن، ولكن لَا تواعدوهن سرًا، ويكون المؤدى اذكروهن ذكرًا حسنا معروفًا معلنًا غير منكر، لَا تمجه الأذواق، ولا تنبو عنه الأخلاق.

الأمر الثاني الذي هو في موضع النهي ما اشتمل عليه قوله تعالى: (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) العزم: القطع، وهو يتعدى بعلى، وبنفسه، فيقال: عزم الأمر وعزم عليه، وعقدة النكاح: الارتباط به. والكتاب: هو الأمر المكتوب المفروض، وهو هنا العدة. والأجل: هو انتهاء المدة المقررة للعدة والمعنى: لَا تعقدوا العزم نهائيًا في أثناء العدة على أن تتموا الزواج بعدها، بأن تقطعوا في أمر الخطبة فتجعلوها تصريحًا بدل أن تكون تعريضًا؛ فإن العزم القاطع لا يكون بالتعريض، بل يكون بالتصريح؛ لأن عبارة التعريض كيفما كانت يدخلها الاحتمال، فلا تنبئ عن القطع أو الجزم؛ وعلى ذلك يكون هذا الكلام السامي ذكرًا لما فهم عند نفي الإثم عن التعريض من منع التصريح؛ وفوق ذلك فيه دلالة على

منع العزم مطلقًا ولو بإصرار النية، وإكنان النفس؛ لأن العاقل لَا يسوغ له أن يعزم

<<  <  ج: ص:  >  >>