للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفريضة معناها المهر المقدر، وأصل الفرض معناه التقدير؛ فمعنى لم تفرضوا لهن فريضة: لم تقدروا لهن تقديرًا.

ومعنى الآية الكريمة بعد ذلك التفسير اللفظي، أنه لَا إثم على من يطلق قبل الدخول إذا لم يكن ثمة فريضة مقدرة.

ونفي الجناح أو الإثم عن الطلاق قبل المسيس لَا عن مطلق طلاق؛ ولقد فهم بعض العلماء أن نفي الإثم هو عن مجرد الطلاق، لَا عن الطلاق المقيد، واستنبط من هذا أن الطلاق مباح في ذاته من غير نظر إلى دواعيه؛ وذلك النظر لَا نحسب أنه الصواب، لسببين:

أحدهما: أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله (١)، وأن الله ما أحل شيئًا أبغضه كالطلاق (٢). فلا يمكن أن يكون الأصل فيه الحل من غير نظر إلى دواعيه وبواعثه؛ لأنه شرع للحاجة النفسية إليه، وذلك إذا تعذر قيام المودة في الحياة الزوجية؛ ولذا قال سبحانه بعد محاولة الإصلاح بين الزوجين بكل الطرق وتعذر الإصلاح: (وَإِن يَتَفَرقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتهِ. . .).

ثانيهما: إن من المقررات اللغوية أن أداة النفي إذا دخلت على شيء مقيد بوصف أو حال، فإن النفي لَا يكون منصبا عليه مقيدًا بذلك القيد، ويكون القيد هو موضع النفي، لَا أصل الشيء في ذاته؛ وكذلك هنا؛ فالنفي منصب على الطلاق المقيد بأنه قبل الدخول وقبل فرض فريضة، أو بالأحرى هو منصب على الطلاق قبل المسيس، سواء أكان ثمة فريضة أم لم تكن، ولكنه في حال الفرض للمهر قدر مخصوص، وفي حال عدم الفرض للمرأة حق آخر معلوم.


(١) رواه أبو داود: الطلاق - في كراهية الطلاق (١٨٦٣)، وابن ماجه: الطلاق - باب حدثنا سويد بن سعيد (٢٠٠٨).
(٢) عَنْ مُحَارِب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَا أحَل اللَّهُ شيْئًا أبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ الطَّلاقِ ".
[رواه: أبوَ داود الطلاق - كراهية الطلاق (١٨٦٢)، وهو حديث مرسل؛ ومحارب بن يسار السدوسي من الطبقة دون الوسطى من التابعين، وكنيته أبو مطرف، أقام بالكوفة وتوفى بها ١١٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>