للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وننتهي من ذلك إلى أن موضوع الآية الكريمة هو حق المرأة في حال الطلاق قبل الدخول، سواء أكان ثمة فرض أم لم يكن فرض، وإذا كان ثمة نفي للإثم فهو عن الطلاق في هذه الحال، وإن نفي الإثم عن الطلاق في هذه الحال، لَا يقتضي نفي الإثم في غيرها، وإن الفرق بين الحالين واضح، فإن الفرقة قبل الدخول يكون الضرر الواقع فيها على المرأة أقل، ولم يستوف فيها شيء من أحكام الزواج، ولم توثق الصلة فيها بأولاد، وإقامة بيت، يتهدم بالطلاق، أما الطلاق بعد الدخول، فإن جُل أو كل أحكام الزواج فيها تكون قد استوفيت، والضرر فيها أشد، وقد يتعدى الضرر إلى ثمرات الزواج؛ فنفي الإثم في الحال الأفل ضررًا، أو التي لَا ضرر فيها لا يستلزم نفي الإثم في الحال الأشد ضررًا.

وقد يقول قائل: إن الطلاق قبل المسيس قد يسيء إلى سمعة المرأة، ويقول الناس إنه ما طلقها إلا من شيء، وقد يكون اختياره لها مفوتًا لزوج كفء ربما لا يمكن تداركه، وذلك حق في بعض الأحوال. ويجاب عنه بأن حسن سمعة الأسرة التي تنتمي إليها الزوجة، وكرم محتدها قد يرد كل إيهام أو اتهام، وإن ما يعروها من ألم بسبب ذلك الفراق المعجل يخففه التمتيع، وهو إعطاء المتعة، وفوق كل هذا إن الاختلاف الذي أدّى إلى الافتراق قبل الدخول يدل على أن الاختيار في الزواج لم يكن موفقًا، فكان إنهاؤه قبل الدخول من المصلحة الحقيقية للزوج، ويهون بجواره كل ألم في سبيل تلك المصلحة؛ لأنه يكون الأمر بعد ذلك عيشة كلها مضارة، أو افتراق في غير الوقت المناسب، وإذا كانت المرأة قد تألمت فالرجل قد أصابه غرم مالي.

(وَمَتِّعُوهُن عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) هذا بيان لما تعوض به المرأة إذا حصلت فرقة قبل الدخول وقبل أن يُقدَّر لها شيء من المهر؛ فذكر الله سبحانه أن الواجب هو المتعة؛ ولذا قال سبحانه: (وَمَتِعُوهُنَّ)، والمعنى أعطوهن متعة ينتفعن بها ويكون فيها تسرية عن أنفسهن، وبعض التعويض عما نالهن، وما فاتهن في هذا الزواج، فتطيب نفوسهن. والتمتيع

<<  <  ج: ص:  >  >>