للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عسى أن يكون قد قدم لها المهر كله أو بعضه، بل إن ظاهر الحال أنه يكون قد قدم المهر كله، أو نصفه، أو أكثر منه؛ فكان التعبير بالوجوب ليبين حق المطلق في استرداد ما دفعه أكثر من النصف، وليشمل وجوب الأداء ومقداره إن لم يكن قد أدى شيئا أو أدى أقل من النصف.

(إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) هذا استثناء من الوجوب الذي قدره الله سبحانه وتعالى بالنصف، وهذا الاستثناء يبين الله سبحانه وتعالى فيه أن وجوب المهر إنما هو لحق العاقدين، وأن العفو عنه بابه متسع لمن يريد أن يصل إلى رحابه الفسيح، والعفو معناه: الإبراء والتنزل عن المطالبة سماحا؛ فإن كان الزوج أدى المهر كله فقد فتح له الشارع باب العفو بأن يترك لها حقه مبالغة في مرضاتها، وقد أرمض نفسها (١) بالطلاق؛ وإن كان الزوج لم يقدم لها مهرًا، وحدث الطلاق برغبة منها فإنه يحسن العفو منها وترك المطالبة، حتى لَا تصيبه الخسارة في عقد لم ينل منه مأربا؛ وقد يكون مظهر العفو بالعطاء بأن يقدم الرجل كل صداقها إن لم يكن قد أعطاها شيئا منه، وفي الجملة إن العفو مستحسن من كل منهما في موضعه، فيستحسن منها إن كانت راغبة في الطلاق غير راضية بالبقاء، ويحسن منه إن كان الطلاق بغير طلبها.

وقوله (إِلَّا أَن يَعْفُونَ) معناه: إلا أن يعفو النساء عن صداقهن، أو عن حقهن، فالنون هنا نون النسوة، ووزن يعفون يفعلن.

ومعنى قوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاح) أي يعفو الزوج الذي بيده عقدة النكاح؛ فيستطيع فكها بالطلاق إن شاء، وإبقاءها إن شاء. وقيل: إن المراد به الولي الذي عقد الزواج؛ وذلك لأن الولي على مقتضى مذهب جمهور الفقهاء هو الذي تولى عقد الزواج، فهو الذي بيده عقدته. وإن الذي نختاره هو أن المراد الزوج لَا الولي؛ وذلك لأمور ثلاثة:


(١) الرَمَض: شدة الحر. والأِرْماضُ كل ما أوْجَعَ. يقال: أرْمَضَني أي أوْجَعَني. وارْتَمَضَ الرجل من كذا أي اشد عليه وأقْلَقَه. [لسان العرب - باب الذال - رمض].

<<  <  ج: ص:  >  >>