للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولها: إن العقدة ليس معناها العقد؛ لأن العقد هو الربط الذي يتم به الاتفاق بين الرجل والمرأة ويكون به النكاح، وهو الزواج؛ أما العقدة، فهي الرابطة التي تكون بعد العقد أو الأثر الذي ينتجه العقد. ولا شك أن العقدة بهذا المعنى يملكها الزوج، ولا يملكها الولي.

ثانيها: إن مقتضى الآية أن من بيده عقدة النكاح أي الزواج يستطيع أن يعفو عن مقدار من المهر؛ ومن المقررات الفقهية أن الولي على النفس ليس له أن يسقط حقًا ماليًّا، خصوصًا إذا كان في وقت الطلاق.

ثالثها: إن العفو من جانب النساء يثبت بقوله: (يَعْفونَ) والعفو مستحسن من الرجل، كما هو مستحسن من المرأة، وكل له موضع، فإذا ذكر الله سبحانه عفوهن، فمقتضى السياق أن يذكر عفو الرجل، ولو فسر قوله: (بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) بولي الزوجة لكان معنى هذا أن العفو هو المستحسن من النساء دائما، مع أن الله يقول مخاطبا الجميع: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَب لِلتَّقْوَى).

والتعبير بقوله تعالى عن الزوج بأنه بيده عقدة النكاح يشير إلى أن الزوج هو الذي يملك فك الزواج بالطلاق، فكان العفو من جانبه أحق وألزم.

(وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) في هذه الجملة الكريمة إشارة إلى وجوب التسامح والتعاطف في وقت ذلك الافتراق القاطع، وإلى أنه تجب الرحمة في وقت الانفصال؛ ولذلك صرح سبحانه بأن العفو: أي ترك بعض الحقوق في ذلك الوقت، أقرب لتقوى الله سبحانه، وأدنى إلى رضاه، لكي يكون الافتراق بمفرده، ولا تكون مشاحة تدفع إلى المشادة، ثم إلى الخصومات التي تورث العداوات، وتستمر الأحقاد بين الأسرتين، وتكون الإحن ومن ورائها المحن.

ولقد ذكر سبحانه أهل الفضل بفضلهم فقال: (وَلا تَنسَوا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) أي لا يذهب بكم الغضب والمكايدة إلى درجة لَا تتذكرون فيها ما يكون عندكم من شمم وإباء، وإرادة للتفضل والعطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>