للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلبه للعبودية، وإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) استشعر معاني الشكر والثناء على ذات الله العلية بما هو في طاقة العبد الأرضية؛ وهكذا في كل ما ينطق به، وفي كل ما يعمل من ركوع وسجود، حتى إنه لَا ينتهي من صلاته إلا وقد صار كله لله، وامتلأت نفسه بهيبته، وقلبه بعظمته، وعقله بنوره؛ وبذلك يتحقق المعنى السامي في الصلاة، وهو نهيها عن الفحشاء والمنكرات، والتسامي بصاحبها عن متنازع الأهواء.

وهنا بعض الإشارات اللفظية التي لابد من التصدي لها بإجمال؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى عبر عن إقامة الصلاة المطلوبة بالمحافظة عليها فلم عدل عن التعبير بإقامة الصلاة إلى التعبير بالمحافظة؟ ولماذا قال سبحانه وتعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) ولم يقل: احفظوا الصلوات؟

والجواب عن السؤال الأول: أن المحافظة أو الحفظ تتضمن مع الأداء والإقامة معنى الصيانة والحياطة، فهي فوق ما تدل عليه من طلب الإقامة على وجهها، تدل على أن الصلاة في ذاتها شيء نفيس عزيز تجب حياطته وصيانته، وأن من نال فضل الصلاة فقد نال أمرًا عظيمًا وخطيرًا، وقيِّمًا في ذات نفسه.

وأما الجواب عن السؤال الثاني: وهو التعبير بالمحافظة بدل الحفظ - فهو: أن التعبير بالمحافظة يدل على المداومة، والاستمرار؛ ولأن الأصل فيه أنه يكون للأفعال التي تكون من جانبين مشتركين، لأنه من مادة المفاعلة التي تدل على المشاركة، وقد تتضمن المنازعة أو المقابلة؛ والمداومة على الصلاة فيها هذا المعنى الجليل، وقد وضحه الراغب الأصفهاني بقوله في المفردات: (إنهم يحفظون الصلاة بمراعاتها في أوقاتها ومراعاة أركانها والقيام بها في غاية ما يكون من الطوق، وإن الصلاة تحفظهم الحفظ الذي نبه الله سبحانه وتعالى عليه في قوله: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ. . .)، فالمشاركة في الحفظ بين الصلاة وبين من يؤديها: يحفظها هو بأدائها على الوجه الأكمل وتحفظه هي نفسه بإبعاده عن السوء).

<<  <  ج: ص:  >  >>