للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قيل إن المحافظة بين العبد والرب؛ العبد يحفظ الصلاة ويصونها ويؤديها على وجهها، والرب يحفظه ويصونه عن المعاصي، وهذا في معنى الأول أو قريب منه.

ويصح أن يكون معنى المحافظة هو المداومة عليها بمغالبة دواعي التفريط مما توسوس به النفس في الطاعات؛ فصيغة المحافظة ليست للدلالة على المشاركة في الحفظ، بل تدل على المغالبة في سبيله، كالمصابرة؛ وذلك لأن من يديم الصلاة مقيمًا لها على وجهها تقاومه نوازع النفس الأمارة بالسوء، وإن ذلك يقتضي مغالبة نفسية، فكان التعبير بالمحافظة دالا على ذلك أو مشيرًا إليه.

وإلى هذا المعنى أشار الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فيما رواه عنه السيد رشيد رضا من تفسير.

ولقد قال سبحانه بعد الأمر بالمحافظة على الصلوات عامة: (وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) فما هي الصلاة الوسطى التي خصها الله سبحانه بالذكر، أهي واحدة من ذلك المجموع الذي أمر به، أم هي المجموع موصوفًا بهذا الوصف؟

في التفسير المأثور عن الصحابة والتابعين اتجاهان واضحان:

أحدهما: اتجاه الجمهور وهو أن الصلاة الوسطى واحدة من الخمس الصلوات المفروضة وإن اختلفوا في تعيينها؛ وكثرتهم على أنها صلاة العصر؛ لوصف النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة العصر بأنها الوسطى (١)؛ ولأنها تقع في وسط الصلوات الخمس؛ فصلها اثنتان وبعدها اثنتان؛ ولأنها وسط بين صلاتي النهار وصلاتي الليل، فمعنى التوسط فيها واضح؛ وخصت بالمحافظة عليها، لأنها مظنة التفريط، إذ تجيء بعد القيلولة، فيكون كسل، فخصت بالذكر لهذا المعنى لَا لأنها أفضل من غيرها، فجميعها قربات تزكي النفس وتطهر القلب.


(١) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا»، ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
[رواه مسلم: المساجد ومواضع الصلاة - الدليل لمنَ قال الصلاة الوسطي هي صلاة العصر (٩٦٦)، والبخاري: الجهاد والسير - الدعاء على المشركين (٢٧١٤)].

<<  <  ج: ص:  >  >>