للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الثالث: هو أنه ثبت في علم الأصول أنه متى وقع التردد بين النسخ وبين التخصيص كان التخصيص أولى، وها هنا إن خصصنا هاتين الآيتين بالحالتين على ما هو قول مجاهد اندفع النسخ، فكان المصير إلى قول مجاهد أولى من التزام النسخ من غير دليل، وأما على قول أبي مسلم فالكلام أظهر، لأنكم تقولون تقدير الآية فعليهم وصية لأزواجهم، أو تقديرها فليوصوا وصية، وأنتم تضيفون الحكم إلى الله تعالى، وأبو مسلم يقول في تقدير الآية: والذين يتوفون منكم ولهم وصية لأزواجهم، فهو يضيف هذا الكلام إلى الزوج، وإذا كان لابد من إضمار فليس إضماركم أولى من إضماره، ثم على تقدير أن يكون الإضمار ما ذكرتم يلزم تطرق النسخ إلى الآية، وعند هذا يشهد كل عقل سليم بأن إضمار أبي مسلم أولى من إضماركم، وإن التزام هذا النسخ التزام له من غير دليل. اهـ.

هذا كلام الفخر الرازي في تفسيره الكبير، وهو يدل على أمرين: أحدهما: أن رأى أبي مسلم أن الوصية من الأزواج وليست من الشارع، وهذا الرأي لَا جديد فيه إلا جواز مثل هذا النوع من الوصايا، وأما قول مجاهد فالوصية من الله، وهي ملزمة للورثة، وليست ملزمة للزوجة، وهو الذي نختاره، ويتفق مع السياق.

الأمر الثاني: أن فخر الدين الرازي يميل ميلا واضحًا إلى منع النسخ، ولذلك نراه يبتدئ موجهًا الأقوال موضحًا التوجيه ثم ينتهي بعبارات واضحة كل الوضوح في أن التزام النسخ التزام له من غير دليل، وذلك حق لَا ريب فيه.

(وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) بيَّنت الآية السابقة حق المتوفى عنها زوجها من متاع أي انتفاع بالسكن بعد وفاته على ألا تخرج من بيت الزوجية، وفي هذه الآية يبين سبحانه وتعالى حق المطلقات.

والمتاع في أصل معناه ما ينتفع به، وهو المعنى في قوله تعالى: (وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) وقد بيَّنا ذلك فيما سبق من قول، وقد ذكرنا أيضًا من قبل أن المتاع انتفاع ممتد الوقت، وهو على هذا التوجيه قد يراد منه النفقة

<<  <  ج: ص:  >  >>