للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دليلْ منير - حال أولئك الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، ومن لم يعلم ذلك ينبغي أن يعلم؛ لأن البينات قائمة؛ والعلامة المعلمة واضحة فالاستفهام في الآية يقرر العلم، ويوجه الأنظار إلى وجوبه، ويحثها على الأخذ في أسبابه والالتفات إلى أماراته وأعلامه؛ فهو تقرير وتنبيه، وإثارة للمعجب من حال من فروا من الجهاد فلقوا الموت.

ومن هم أولئك الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت؟ قبل أن نخوض في الجواب عن ذلك نتكلم في أمرين لفظيين قد يهدي أحدهما إلى الحق في شأن أولئك الذين خرجوا من ديارهم.

الأمر الأول - كلمة " ألوف " فإن بعض العلماء فسرها بمعنى كثرة العدد، أي أنهم عدد كثير، ألوف مؤلفة، وكثرة كاثرة؛ فما كان خوفهم عن قلة، بل كان عن كثرة؛ أو ما كان الخوف عن سبب يسوغه، بل كان عن جبن يخذل.

وبعض العلماء قال: إن معنى " ألوف " مؤتلفون مجتمعون؛ فألوف على هذا جمع آلف، كقعود جمع قاعد، وركوب جمع راكب، ونحو ذلك؛ والمعنى على ذلك أنهم قبل خروجهم من ديارهم، وتفرقهم في الأرض كانوا مؤتلفين مجتمعين توحدهم كلمة جامعة، ووحدة رابطة، ففرقهم الخوف على الحياة أيا كانت صورها ولو كانت حياة الذل والانكسار، وإنه ليعقبها الشقوة والانهيار.

الأمر الثاني - كلمة " حذر الموت " تنبئ عن الباعث على فرارهم، وهو حرصهم المطلق على الحياة على أي صورة كانت تلك الحياة، كما وصف سبحانه وتعالى اليهود فقال سبحانه: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ. . .)، أي مهما يكن نوع هذه الحياة، ثم خوفهم المطلق من الموت، أيا كانت أسبابه، ومهما تكن نهاية الفرار منه، وإن ذلك الخوف كان قبل أن تتحقق أسبابه فلم يكن الموت قد نزل ضربة لازب لَا مناص منه إلا بالخروج من الديار؛ بل إن الذي دفعهم هو الحذر من الموت، وليس الحذر إلا توقيًا للأسباب واحتراسًا وابتعادًا قبل أن تظهر الأسباب قوية ملزمة موجبة، وعلى ذلك يكون الحذر من الموت أدق

<<  <  ج: ص:  >  >>