للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في بيان جبنهم من الخوف، إذ الخوف يكون وقد ظهرت موجباته، وتعددت الأمارات؛ أما الحذر فإنه توق مانع قبل وجود الأسباب وإن بدت ولاحت بعض أمور احتمالية لوجود هذه الأسباب.

ولقد كانت نتيجة خروج أولئك الحذرين من الموت أن استقبلهم الموت المقدور، فقال لهم الله موتوا؛ وأمر الله سبحانه وتعالى هنا أمر تكويني؛ أي أنه سبحانه وتعالى أماتهم، وإن أمر الله التكويني هو بإيجاد ما ساقه على أنه أمره (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكونُ).

فإذا كان أولئك قد فروا من الموت فليلقاهم الموت، وكيف يفرون من أمر وهو واقع لَا محالة طال الأمد أو قصر، وهو واحد مهما تعددت أسبابه، والموت في شرف خير من الحياة في خسة، والموت في عزة خير من الحياة في ذلة!.

بعد هذا نجيب عن السؤال: من هم هؤلاء الذين فروا من الموت فلقيهم من حيث لَا يقدرون، ثم أحياهم من ذلك رب العالمين؛ وهل هذه الحياة كانت في الدنيا؟

قد وردت في ذلك أخبار وروايات لم تثبت بسند صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بيَّن الكتاب للناس، ولا عن أحد من أصحابه الذين تلقوا ذلك البيان.

ومن تلك الروايات أنهم قوم من بني إسرائيل خرجوا هاربين من الوباء فنزلوا واديًا، فأماتهم الله ثم أحياهم اعتبارًا وإجابة لدعاء نبي من أنبيائهم.

وفى رواية أخرى أنهم قوم من بني إسرائيل فروا من الجهاد مع نبيهم، فأماتهم الله ليعلمهم أنه لَا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم ليجاهدوا.

ورواية ثالثة تقول: إن أولئك القوم كانوا من بني إسرائيل، حرضهم ملك من ملوكهم على الجهاد فخرجوا حذر الموت، فأماتهم الله سبحانه ثم أحياهم.

وفى كل رواية من تلك الروايات تفصيلات لَا حاجة إلى ذكرها، ولقد نقل القرطبي في أحكام القرآن بعد ذكر هذه الروايات ما نصه: قال ابن عطية: وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>