للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعبارات كثيرين من المفسرين يستفاد منها أن كلمة القرض هنا مستعملة في معناها من غير مجاز؛ لأن معنى القرض ثابت؛ إذ إنه اقتطاع من مدخر المال، ورجاء البدل متحقق ثابت بشكل أوضح ممن يرجو بدل المال في الدنيا؛ لأن ما عند الله خير وأبقى؛ ولأن البركة في الرزق والبسطة فيه قد قدرها الله سبحانه وتعالى لمن يعطي سمحًا جوادًا من غير منٍّ ولا أذى.

والقرض الحسن المذكور في الآية الكريمة، هو القرض الذي يكون منبعثًا من نفس طيبة بالعطاء، قاصدة وجه الخير ورضا الله سبحانه وتعالى، ومتحرية موضع الإنفاق وزمانه، فالقرض الحسن في هذا المقام لابد لتحققه من أن يكون الباعث عليه خيرًا مقصودًا به وجه الله تعالى، فلا ينفق رئاء الناس، ولا ينفق ابتغاء جاه ولا مَلَقًا لذي جاه، كأولئك الذين يتصدقون بالصدقات العظيمة لإرضاء كبير مسيطر، لا يقصد الصدقة لذاتها ولا وجه الله فيها، ولا المعاونة لمستحقيها، وإنما يقصد إرضاء الكبير فقط؛ وإن ذلك هو الشرك الخفي؛ ولقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من تصدق يرائي فقد أشرك " (١).

ولابد لتحقق القرض الحسن أن يتحرى الشخص موضع الحاجة فيسد حاجة المعوزين، وينفق على المحتاجين، يؤثر أشدهم حاجة؛ فالأدنى منه، ما وسع فضل ماله؛ ثم ينفق في المصالح العامة لإقامة مشروعات اجتماعية أو عمرانية، والإنفاق للجهاد في سبيل الله هو المرتبة السامية العليا.

هذه معاني القرض الحسن في ذاتها ولبها؛ وما المراد به هنا؛ أيراد به المعنى العام الشامل، أم يراد به المعنى الخاص الذي يدل عليه ما قبل الآية وما بعدها؟ إن الاتجاهات في هذا ثلاثة:

أولها: القرض الحسن هنا هو المعنى العام له، وهو كل إنفاق في سبيل الخير، سواء أكان الإنفاق لسد حاجات المحتاجين من الآحاد، أم كان للمصالح التي يعم


(١) سبق تخريجه من مسند الإمام أحمد رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>