للأ مر، ولا ينصر بعد أخذ الأسباب إلا أهل الحق (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠).
وقد يقول قائل: إن الحكمة الإلهية قد اقتضت أن يكون كل عمل له نتائجه وثمراته، فمن يعمل خيرًا يجد ثمرة عمله، ومن يَجِدُّ يَجِدُ نتائج جده، فالغنى والفقر ثمرتان للعمل والكسل، فمن عمل واتخذ الأسباب وسار فيها نال الثمرة، ومن كَسِل وأهمل ناله الفقر ولا يلومنَّ إلا نفسه، وقد تكرر في القرآن أن الله القابض الباسط، وأنه الرازق، وأنه يرزق من يشاء، فكيف يوفق القارئ بين ذلك السنن الحكيم، وبين ذلك القول الكريم؟
ونقول في الجواب عن ذلك: إن على كل مؤمن أن يعمل، وأن يجد ويجتهد، وعليه فوق ذلك أن يعلم أن الله هو الرازق، وأنه فوق كل شيء، وأنه القابض الباسط، وأنه الرزاق ذو القوة المتين، ولكل موضعه، وإن المستقرئ لشئون الناس وأعمالهم في الحياة ونتائجها ينتهي به الاستقراء إلى أن الرزق لَا يمكن أن يجيء ثمرة للعمل وحده، بل إنه يجيء مع العمل توفيق الله، ومصادفات قدرها العليم الخبير، اللطيف البصير، فاثنان يعملان عملا واحدًا، فيلقيان البذر بعد الحرث، ومع البذر السماد، والأرض طيبة منتجة، والري متحد الزمان في كليهما، ولكن زرع أحدهما قد يبتلى بآفة تستمكن منه فتبيده أو تكاد، ولا تصيب زرع الآخر إلا قليلا، فيكون في سعة والآخر قد قتر الله عليه في الرزق، وقد تكون الثمرات متحدة في النتائج والمقدار، ولكن أحدهما سارع بالبيع، فصادف غلاء، والثاني أخر في البيع فصادف كسادًا، وقد يبيع هذا لتاجر حسن الأداء مليء، والثاني يبيع لآخر مثله، ولكنه قبل الأداء يصاب في تجارته، وهكذا، فاتخاذ الأسباب أمر لابد منه، ولكن وراء الأسباب القدرة القاهرة التي هي فوق كل شيء، وهي قدرة الله تعالى، فاتحاد الأسباب لَا يستدعي اتحاد المصادفات ولا اتحاد الفرص؛ واتحاد الفرص المهنية لَا يوجب اتحاد الثمرات والنتائج، فقد تكون ثمة ملابسات لم تكن في الحسبان، وما كان يستطيع تقديرها إنسان، وإن تقدير الإنسان مهما يكن من قوة هو في دائرة القدرة الإنسانية، وهي محدودة الأفق، محدودة