الغاية، وإن كان له سلطان على الأعمال فليس له سلطان على النتائج والأحوال، ومن هنا كان الواجب على المؤمن أن يعمل ثم يفوض أمره إلى الله، ويقول:(وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
(وَاللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْصُطُ وَإِلَيْه تُرْجَعُونَ) وإذا كان الرزق بيد الله فعلى الغني أن يعلم أن ما بيده فيض من الله تعالى القدير؛ وإذا كان فيضًا من الكريم الحليم فعليه أن يشكر لله بإنفاقه في الحلال دون الحرام، وفي إنفاقه على عيال الله، وهم الفقراء الذين اقتضت حكمته تعالى أن يحرمهم مما أعطاه، وفي سبيل النفع العام الذي يقيم دولة إسلامية فاضلة، بها يعتز دين الله، وبها تعلو كلمته، وبها يحق الله الحق ويبطل الباطل، وبها تعتز الفضيلة وتعلو الإنسانية، وعليه أن ينفق مال الله الذي أعطاه في سبيل نصرة دينه وإعلاء كلمته؛ ولقد سمى الله سبحانه وتعالى ذلك كله قرضا حسنا له، وهو سبحانه وتعالى الذي أعطى والذي وهب ورزق؛ سبحانك ربي تعاليت، وإنك كما قلت في كتابك المحكم:(فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)، ولقد قال رسولك الأمين:" الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله "(١).
لقد علم الأتقياء الأبرار في كل العصور أن الأسباب مهما تكن قوية محكمة فإن النتائج بيد الله تعالى، ولأن كل الكون في سلطان الله تعالى، كما قال سبحانه:(. . . إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤). ولهذا المعنى بذلوا في نصرة الله تعالى، فهذا أبو بكر في الجهاد يشطر ماله في ذلك، وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يجهز في زمان العسرة جيش تبوك من ماله إذ كان الناس في عسرة وجدب، حتى يروي ابن هشام أن عثمان رضي الله عنه أنفق ألف دينار غير الإبل والزاد والعدة؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض "!.
(١) رواه - أبو يعلى، والبزار عن أنس، والطبراني عن ابن مسعود - رضي الله عنه. [جامع الأحاديث والمراسيل - من الجامع الصغير وزوائده - ج ٤ ص ٣١٢].