للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروى زيد بن أسلم أنه لما نزل قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) جاء أنصاري اسمه أبو الدحداح فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله! إن الله يستقرضنا، وهو غني عن القرض؟! قال: " نعم يريد أن يدخلكم الجنة "، قال: فإني إن أقرضت ربي قرضًا يضمن لي ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟ قال: " نعم ". قال: ناولني يدك، فناوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، فقال: إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لَا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضًا لله تعالى! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اجعل إحداهما لله تعالى والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك " قال: فأشهدك يا رسول الله إني قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة، قال: إذن يجزيك الله به الجنة " (١).

هذا هو الإيمان حقا وصدقا، وهذا هو شكر النعمة، وهذه هي المعاونة الصادقة، وهذه هي القوة الروحية التي تشع النور على الوجود الإنساني؛ فهل للخلف أن يقتدوا بما كان يفعله السلف؛ وهل آن للمؤمنين أن يفدوا دينهم ودولتهم بأموالهم؛ وهل آن للمسلمين أن يعتبروا بالعبر وقد خلت من قبلهم المثلات، وأن يعلموا حق الله في أموالهم؟

لقد صار الهوى متبعًا، والشح مطاعًا، وتشنعت الفتن، وتحكمت الإحن، وغلبت على المسلمين الشقوة، وضربت عليهم الذلة، حتى إنه ليقتطع من جسم العالم الإسلامي قطعة هي منه بمنزلة الكبد من الجسم، والأعداء يسلطون على المشردين والمقيمين في الوادي المقدس الفقر والجوع، ويحاولون إخراجهم بالجوع والعرى من دينهم، والمسلمون يرون ويسمعون، وهم في غفلة لاهون! ألا فاقرضوا الله قرضًا حسنا يضاعف لكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* * *


(١) " رواه أبو يعلى والطبراني ورجالهما ثقات ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". [مجمع الزوائد - ج ٨ ص ٤٠٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>