للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حمل طالوت الملك راية الجند إلى ميدان الجهاد، وكذلك يكون المَلِك حقا؛ ولكنه قبل أن يتقدم للقاء عدوهم، أراد أن يختبر قوة إرادتهم وصدق عزيمتهم، وذلك بمعرفة مقدار استيلائهم على أنفسهم، فمن استولى على نفسه فهو معه في الجهاد، ومن لم يستطع جهاد نفسه، فهو عن لقاء العدو أعجز: قال لهم: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِب مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّه مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرفَةً بِيَدِهِ. . .) فإِنه منى، ولكن النتيجة ظهرت في هذا الامتحان مبينة أن القليل هم الذين استطاعوا أن يجاهدوا أنفسهم وينتصروا عليها (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهمْ. . .)، وهم الذين اجتاز بهم النهو، وترك الآخرين مخلفين مع نفوسهم التي لم يستطيعوا التغلب عليها.

أصبح جند طالوت قليلي العدد، وليس فيهم إلا مجاهد مجالد مصابر، ولكن اعتراهم شيء من رهبة الموقف، إذ رأوا عدوهم كثير العدد عظيم العُدَد يعتز بكثرته وعدته وسابق غلبته، فقالوا: لَا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، ولكن الصفوة من تلك الصفوة لم تعترها تلك الرهبة (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ). فتقدم الجميع مستعينين بقوة الله (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِتْ أَقْدَامَنَا وَانصرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

وبالإيمان القوي، والعزيمة الصادقة، والتفويض المطلق لرب القدرة والعزة، انتصرت الفئة القليلة على الفئة الكثيرة (فَهَزَمُوهم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالوتَ. . .). وآل الأمر من بعد طالوت إلى داود ومعه عزة بني إسرائيل (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَه مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْفضهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

هذه قبسة من قصص الذكر الحكيم في جهاد بني إسرائيل، وإن العبر فيه لكثيرة، فهي تشير إلى الشدة كيف تصهر النفوس فتجعلها تتجه نحو المعالي

<<  <  ج: ص:  >  >>