للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتطلبها، وكيف يكون الدين أساس العزة لمن غلبت عليهم الشقوة، وأنه لَا سلطان من غير إمرة يعمل تحت سلطانها البر، ويزجر بها الفاجر، وأن الأمير يجب أن يكون له من قوة العقل وقوة الجسم وسعة العلم وكمال التجربة ما يقود به الشعب إلى صالح الأمور، وأن أساس الانتصار السيطرة على النفس فلا يغلب خصمه من لا يغلب نفسه، ولا يقمع عدوه من لَا يقمع شهوته، وإنه بعد أخذ الأهبة يفوض المجاهد أمره إلى الله، ويتوكل عليه. بعد هذا نتجه إلى تتبع الآيات الكريمة آية آية، مستنبطين العبر من ثناياها كما تلوح العبر في مجموعها:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قد ذكرنا ما في هذا التعبير من إثارة الاهتمام والتقرير، وتثبيت المعنى في نفس القارئ والسامع، وقد عبر هنا بالرؤية، وهي إما أن تكون بمعنى العلم كما ذكرنا من قبل، وهي تكون للعلم القلبي الذي يستيقن فيه الإنسان كما يستيقن بالعلم الحسي الذي يكون طريقه النظر والإبصار.

وإما أن يراد بالرؤية النظر أو البصر؛ وفي هذا تصوير للقصة المخبر عنها كأنها المرئية المحسوسة المشاهدة. والملأ هم الكبراء وأشراف القوم، كأنهم ممتلئون شرفًا. وقال الزجاج: سموا بذلك؛ لأنهم ممتلئون مما يحتاج إليه منهم، ويطلق الملأ ويراد به الجماعة، من قبيل إطلاق اسم الجزء وإرادة الكل، لأن ذلك الجزء له مزيد فضل وشرف على بقية الأجزاء، وقد فسر الراغب في مفرداته الملأ بأنه " الجماعة يجتمعون على رأى فيملئون العيون رواء ومنظرا، والنفوس بهاء وجلالا.

وما المراد بالملأ هنا؛ أهم كبراء بني إسرائيل، أم القوم كلهم؛ أكثر المفسرين على أن المراد بنو إسرائيل وعلى هذا تكون " من " بيانية؛ فالمعنى أن بني إسرائيل جميعا اجتمعوا وقالوا في عصر من العصور لنبي لهم ابعث لنا ملكا. وإني أرى أن كلمة الملأ هنا المراد بها الكبراء وأهل الرأي منهم، فإن الدهماء دائمًا في شغل شاغل حتى ينبههم كبراؤهم، وذوو الرأي والشأن فيهم، وخصوصًا إذا كان الدهماء قد غلبت عليهم الشقوة والذلة، وكذلك يكونون دائمًا في حال الانهزام وتغلب الأجنبي على الأمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>