الجماعة بإثارة أحوال رجالها وتعرف خواصهم ومزاياهم وتخير أمثلهم، وإخراجه من بين صفوفهم ليكون ملكا عليهم، فلا يكون مفروضًا عليهم، بل يكون متخيرًا من بينهم بتخير من لَا يشك في تخيره، وهو نبي مبعوث.
وقد قالوا في طلبهم إن الغرض من طلبهم ملكا ينصب عليهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهو إعلاء كلمة التوحيد، ورد عزتهم المسلوبة، وأرضهم المغصوبة.
وفى هذا الطلب منهم عبر وعظات:
أولها: أنهم أحسوا بالضياع، إذ أصبحوا لَا رياسة من بينهم تجمعهم.
وثانيها: أنهم آمنوا بأن القتال لَا يكون إلا تحت إمرة حازمة تسير بهم نحو الهدى والرشاد، وأنه لَا يصلح الناس فوضى لَا سراة لهم ولا رياسة فيهم.
وثالثها: أن القتال دفاعًا عن الحوزة، واستردادًا للحق المسلوب، والوطن المغصوب، قتال في سبيل الله. وقد طلبوا أن يكون الرئيس ملكا، لأن نظام الحكم الذي كان سائدًا إبَّان ذاك كان مَلكيا، والمذموم منه هو الظالم، والممدوح منه هو العادل، وليس ذلك دليلًا على أن النظام المطلوب في الشرائع السماوية هو الملكي على ما نعرفه وهو الوراثة بالسلالة؛ بل إن إجابة الله لطلبهم بهداية نبيهم لملك أي رئيس دولة قد اختاره الله، دليل على أن نظام الحكم هو ما يكون إجابة لداعي الشعب، وتكون فيه ملاءمة لحال الأمة وملابساتها وما يقترن بها. ولقد كانت حال بني إسرائيل لَا تسمح بأن يختاروا هم بأنفسهم رئيسًا للدولة؛ لأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم لَا سلطان لهم، والاختيار يكون من ذوي السلطان، ولا يكون من مكره مغلوب على أمره، والملك الذي اختاره ليس ملكا بالمعنى الذي نعهده كما سنبين.
كانت حال بني إسرائيل في أشد الاضطراب، وقد انخلعت منهم الإرادات الحازمة، إلا من قلوب ربط الله عليها بالإيمان؛ ولذلك توقع نبيهم ألا يصبروا على القتال إذا حمي الوطيس واشتد البلاء، ولذلك حكى الله سبحانه ذلك الشعور الذي خالج قلب نبيهم، فقال تعالى: